مساء يوم الجمعة 21 ديسمبر 2012 من الساعة الرابعة والنصف إلى الساعة الثامنة، وكانت برئاسة الدكتور جلو إبراهيما
المحاضرة الأولى : تراث محمد يحيى الولاتي في تيشيت ـ حماه الله ولد ميابى
أبرز المحاضر في البداية شهرة الفقيه محمد يحيى المبكرة وامتداد إشعاعه العلمي بعيدا عن موطنه ومدينته المنشئ والمدفن ولاته إلى كثير من مناطق العالم الإسلامي. لينتتقل إلى تأكيد أن مدينة تيشيت المصاقبة لولاته وصنوها كانت من أوائل المناطق استشعارا وتأثرا بالرجل، لقوة الوشائج والأواصر بين المدينتين. وأكد السيد حماه الله أن اللحظات البارزة في حياة الفقيه محمد يحيى كانت حاضرة ومؤثرة في الحياة التيشيتية حيث بقي له فيها من الآثار ما ينم عن قوة حضوره في حياتها، إلى حدود تجعل الدارس يتخيل أنه كان يقوم من وقت لآخر بزيارة تيشيت رغم عدم قيام أي دليل على ذلك سوى قوة الحضور وكثافة التأثير.
وأعاد قوة علاقة الولاتي بتيشيت إلى عوامل أساسية منها القرب الجغرافي بين المدينتين والتبادل التجاري النشط بينهما، ثم العلاقة الصوفية التجانية الخاصة بينه وبين تيشيت الحاضرة التيجانية حينها بامتياز في تلك الجهة، فقد أخذ هذه الطريقة على يد أحد أبناء تيشيت هو الشريف سيدي الشريف(علما) بن محمد بن أحمد بن الإمام محمد، إمام القريتين(تيشيت وآغرجيت)...
ثم عرض الباحث شواهد كثيرة تبين حضور الولاتي في تيشيت منها الرحلة الحجازية، وتوقفه الطويل في بدايتها بهذه المدينة، وما لقيه من إكرام من أهلها. وقد كانت هذه المحطة التيشيتية فرصة لالتقاء بأشخاص من كبار أعلام تيشيت كانت أخبارهم منقطعة، ولقيام الفقيه بتدريس كثير من النصوص والكتب وبتأليف بعض تصانيفه المهمة فيها. كما أن المقام التيشيتي للرجل اُثمر تواصلا لم ينقطع أبدا تشهد له المراسلات المتبادلة بينه وبين أعلامها والفتاوى والنوازل المشتركة بينهما ... كما توقف الباحث عند دور الرحلة الحجية التي دونها الولاتي في كشف التركيبة السكانية لتيشيت في ذلك الوقت وأنماط عيش أهلها ونوع عمارتها...
المحاضرة الثانية : العرف والمصلحة في فتاوى محمد يحيى الولاتي ـ يحي ولد البرا
كانت المحاضرة محاولة للتعرف على كيفية تعامل الفقيه الولاتي مع النوازل ذات التعلق بالأعراف والمصالح باعتبارها مجالا لنوع من النظر الاجتهادي تختلف فيه عطاءات المفتين وتتباين مواقفهم. ورأى المحاضر أن الفقيه الذي دافع كثيرا عن المذهب المالكي وناهض بشدة أولئك الذين ادعوا مرتبة الاجتهاد وحاول ردهم إلى منزلة التقليد، قد ذهب في فتاويه إلى اعتماد نوع من الاستدلال ينبئ عن اقتناعه ببلوغ درجة من الاجتهاد تخوله الأخذ والرد والنقض والتعقيب.وقام الباحث باستعراض نماذج من إعمال النظر عند الفقيه الولاتي من خلال مسألتي العرف والمصلحة تدل في نظره، على أنه وإن أظهر في بعض فتاويه أحيانا ميلا إلى الاجتهاد الإنشائي بالرجوع إلى الأصول، والتماس الدليل منها كما يشهد لذلك بالغ استعماله وتوظيفه لمسائل علم الأصول التي دلت مؤلفاته العديدة المتعلقة بها على أهميتها في تفكيره الفقهي، وبين ذلك أيضا حضورها الكثيف في فتاويه وأجوبته، إلا أنه في غالب فتاويه ينحو منحى التبصر والترجيح. فهو يفتي بنصوص المذهب بالمتفق عليه منها وبالراجح من المختلف فيه منها. وإليه النظر في الترجيح لحصول آلته عنده لأنه يدرك تغير الأحكام وأنها تابعة للأحوال والأفعال لا للأعيان.
المحاضرة الثالثة : منهج الفتوى عند محمد يحي الولاتي ـ محمد إدير أمشنان (الجزائر)
تناول المحاضر في البداية علاقته الشخصية بالولاتي ومصدر إعجابه به، رادا ذلك إلى كتاب للفقيه هو(( إيصال السالك في أصول الإمام مالك)) أطلعه عليه بعض طلبته في أحد المساجد الجزائرية فأعجب به وانتهى به الأمر إلى تحقيقه.
وتعرض بعد ذلك لمنهج البحث عند الولاتي وطريقته في الإفتاء مشيرا إلى أن آراءه في الفتاوي يمكن أن تعتبر أساسا للدراسات الاجتماعية والنفسية والتاريخية. وأشاد بلغة الرجل المتميزة في دلالاتها وإيحاءاتها مؤكدا على أن هذا المستوى لا يناله إلا من بذل الجهد الجهيد. كما تحدث عن جهوده رحمه الله في الجمع بين التفريع والتأصيل، مؤكدا ندرة هذا المنهج لدى العلماء في عهده. وخلص إلى أن الفقيه حافظ على أصالته الفقهية ذات المرجعية المالكية وعلى أهمية الفكر للأمة، فهو يجمع بين فقه الرأي وفقه الأثر، مبينا أن مجموعته الإفتائية يظهر فيها التفاعل بين المجتمع وبين الفقه والتشريع.
المحاضرة الرابعة: ملامح الرؤية الإصلاحية من خلال عطاء الولاتي ـ المصطفى ولد خطري
أبرز الباحث قيمة الإنتاج العلمي للولاتي ومظاهر الإصلاح المتعددة فيه مستعرضا دلائل على دوره البارز في مواجهة حالات الجهل السائدة وأوضاع البداوة والتسيب وما تطرحه من نوازل ومشكلات شرعية لا حصر لها، وانعكاس كل ذلك في نوعية إنتاج الرجل الذي ركز فيه على الفقه والأصول والقواعد والفروع اعتمادا على عيون وأمهات الثقافة العربية الإسلامية، وبأساليب مناسبة لكل مقام ونوع فمنها المشروح ومنها المنظوم ومنها المختصر...
وتوقف عند أهم ما يميز مواقف الرجل وآراءه فأبرز من ذلك: الصراحة ووضوح الرؤية والصرامة ومقارعة الحجة بالحجة، والدعوة إلى إصلاح أحوال المجتمع السائب بالعلم والعدل والاستقامة، والثورة ضد استرقاق الناس دون سبب شرعي، وضد استغلالهم، وضد عوائدهم التي لا تماشي الشرع كوراثة الإمامة والتقدم للقضاء والإفتاء دون الإلمام بشروط ذلك الشرعية.وانتهى إلى إن الرؤية الإصلاحية عند العلامة محمد يحي الولاتي اعتمدت على نظرة معرفية مركبة قائمة على إدراك الواقع وتحدياته وعلى الرغبة في تغييره، لكن عن طريق العلم ونشره وإحياء أصول الشرع وقواعده سبيلا إلى نشر العدل والإصلاح...
المحاضرة الخامسة : الإصلاحية الفقهية الحديثة وإرهاصاتها، محمد يحيى الولاتي نموذجا ـ أبو بكر ولد المراواني
انطلق المحاضر من التذكير بفترة الانحطاط والركود في تاريخ التشريع الإسلامي والتي ضعف فيها الاجتهاد وقصر الجهد عن الاستنباط السليم وانشغل العلماء باجترار المتون وشروحها وحواشيها غافلين عن قضايا المجتمع المسلم وتحديات وجوده الحضاري.
واعتبر أن مشروع الفقيه محمد يحيى الولاتي يتنزل في إطار محاولات جادة سعت إلى القطع مع تك الفترة، وإلى إعادة النظر في الفقه ونفض الغبار عنه وعرضه أصيلا منقى من الشبهات. ونبه إلى أن الفقيه قام بهذا الجهد المتميز ببراعة مشهودة في أسلوبه الواضح السلس وفي اهتمامه بإحياء السنة والعودة إلى الأصول والقواعد الفقهية والحرص على تحرير المسائل وتوضيحها، فكان بذلك سابقا لما ستصل إليه الحركة الإصلاحية الفقهية الحديثة فيما بعد على أيدي روادها الكبار من أمثال سيد سابق صاحب فقه السنة.
ويرى الباحث أن مظاهر الإصلاحية الفقهيه الحديثة عند الولاتي يمكن تلمسها في النقاط التالية :
- العودة إلى المصادر الأصلية للنصوص الفقية،
- ربط الأحكام بالأدلة مع الاحتراز من الضعيف،
- العودة إلى أصول الفقه وربط الفروع الفقهية بالكليات،
- الأصولية مع مراعاة مقاصد الشريعة في الاستدلال،
- الإصلاح في بعده الاجتماعي وهو طرح رؤية متوازنة تراعي التوازن بين فقه الواقع واعتماد العادات بالإضافة إلى نبذ البدع والتقاليد الفاسدة،
- الاستقلالية في التفكير الفقهي بإعمال العقل في استثمار معاني النصوص سواء في التأليف أوفي المناظرة.
المحاضرة السادسة: نقد علم الكلام الفلسفي عند الولاتي ـ البكاي ولد عبد المالك
تناولت هذه المحاضرة علم الكلام عند الفقيه من خلال تحقيق رسالته الموسومة: الأجوبة الشافية في علم الكلام. وقد اعتمد الباحث في عمله أسلوب النقد والتحليل والمقارنة. وبدأ بتوطئة مفيدة أبان فيها بعض المفاهيم المفاتيح لفهم علم الكلام والمقاربة التي تناوله بها مميزا بين قولين فيه أحدهما داخلي والآخر خارجي.
ثم أشار إلى ما تضمنته الرسالة من الآراء الكلامية عند الفقيه مع تحديد بعض المفاهيم الكلامية، مؤكدا أن طابع السجال النقدي طغى على أسلوب الرسالة، وأن بعد الرسالة الفلسفي يكمن في الرد على المتكلمين مع الإشارة إلى خطر علم الكلام والتأكيد على فائدته المتمثلة في حراسة العقيدة وفي الدفاع عنها.
يتواصل....