بمناسبة مرور مائة عام على وفاة أحمد بن الأمين الشنقيطي المتوفى سنة 1913م، نظمت جامعة شنقيط العصرية بمقرها بانواكشوط يومي 13 و 14 نوفمبر 2013 بالشراكة مع مؤسسة "بلاد شنقيط للثقافة والتنمية" ندوة دولية حول إسهام العلماء الشناقطة في حركة النهضة الأدبية في المشرق.
وقد دعا رئيس مؤسسة بلاد شنقيط الدكتور محمد المختار ولد اباه عند افتتاح هذه الندوة إلى "القيام بتصنيف معلمة شاملة لعلماء شنقيط تضم ملخصا لما كتب عن بلاد شنقيط في الخارج من الأوروبيين والعرب والأفارقة.
دارت أعمال هذه الندوة التي شاركت فيها نخبة من العلماء والباحثين على جلسات أربع قُدِّمت فيها عروضٌ عن الشخصيات التالية:
· محمد محمود بن التلاميد
· أحمد الأمين الشنقيطي
· محمد الأغظف بن أحمد مولود الولاتي الحوضي
· الشيخ محمد الأمين فال الخير الحسني الشنقيطي.
وقد حالت مشاغلي المهنية بيني وبين حضور كل أعمال هذه الندوة، ولأن ما لا يدرك كله لا يترك جله فقد حرصت على متابعة جزء كبير من الجلسة الثانية المخصصة لأحمد الأمين الشنقيطي والتي ترأسها الأستاذ سيد أحمد ولد الدي وحاضر فيها كل من السادة محمد ولد بتار ويحيى البراء وعبد الودود ولد عبد الله ( ددُّود)، كما تابعت كامل الجلسة الثالثة المخصصة لمحمد الأغظف الولاتي الحوضي والتي ترأسها الأستاذ إسلم ولد سيد المصطف وتدخل فيها كل من الأساتذة الحسين ولد محنض، محمذن بن أحمد بن المحبوبي ويحيى ولد احريمو.
وقد تركزت الجلسة المخصصة لأحمد الأمين الشنقيطي على استنطاق كتابه "الوسيط في تراجم أدباء شنقيط" والظروف التي اكتنفت تأليفه، والجهد الكبير الذي بذله صاحبه لاستحضار محفوظاته من الشعر الشنقيطي والتقديم لها بأسلوب أدبي راق رصين لا يخلو من الحس النقدي والتحليل السوسيو-تاريخي. وأشار المحاضرون هنا إلى السبق التاريخي والعلمي لهذا الكتاب الذي اعتبروه "معبرا لا يمكن القفز عليه" لكل دارس أو باحث في مجال الثقافة الموريتانية. وعمدوا من جهة أخرى إلى التعريج على بعض الهنات التي وقع فيها الكاتب والعائدة في الغالب الأعم إلى ضبابية بعض "ما بقي في الخاطر"، أو إلى اقتصاره على المجال الجهوي الذي نشأ فيه وتكون فامتاح منه دون سواه...
هذا وقد أوصى المشاركون في هذه الندوة بضرورة تكفل مجموعة من الباحثين بالعناية بهذا الكتاب من جديد والتقديم له بمعالجة تبرز جوانب الإبداع فيه وتضعه في سياق المحيط الخاص والعام الذي أنتجه، وتفتح الباب لمواصلة واستكمال العمل الذي بدأه...
محمد الأغظف الولاتي الحوضي:
أما الجلسة الثالثة التي كانت معقودة لتقديم شخصية محمد الأغظف بن أحمد مولود الولاتي الحوضي (الوسري)، فقد تناولت ترجمة هذا العالم الفقيه النحوي الذي وصفه مؤلف كتاب "الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام" الشيخ الفقيه القاضي العباس بن إبراهيم السملالي المغربي المالكي المتوفى سنة 1378 هـ، بقوله إنه "الفقيه البركة الناسك العلامة الأورع المشارك الذي لا ينفك عن ذكر الله المعود لسانه كلمة لا إله إلا الله، شيخ الأخيار والأمراء الكبار والعرفاء، أخذ عن الشيخ محمد يحيى الولاتي وشرح نظم مغني اللبيب"..
...وعن رحلته إلى المغرب يقول الدكتور محمذن ولد محبوبي في مداخلته الموسومة "محمد الأغظف المحظري وجهوده النحوية بين الاحتفاء والاختفاء": "ارتحل إلى المغرب وأقام به وتوطدت صلته بالمولى عبد الحفيظ فقربه وأهدى إليه الهدايا العظام فيذكر أنه حبس عليه وعلى ولده محمد عبد الله قطعا أرضية...وقد توفي بمراكش في شوال عام 1337هـ ودفن بروضة الإمام السهيلي، وقام أهل المدينة بتجهيزه قياما عجيبا، واجتمع عليه خلق كثير وجم غفير أكابر وأجلاء وغيرهم".
وعند الحديث عن جهوده في علم النحو يقول المتدخل: "ويعد هذا النحوي من أبرز الوجوه الثقافية بالساحة الشنقيطية والمغربية في صدر القرن الرابع عشر الهجري، فقد سعى جهده إلى إحياء علوم اللغة فأتحف المكتبة اللغوية بنافع الحكمة ورفيع الكتاب فتنوعت جهوده مابين التأليف والتدريس... جلس الرجل بمراكش ليدرس النحو فأخذ عنه المولى عبد الحفيظ واستفاد من دروسه ولعله هو الذي أذكى في هذا السلطان جذوة التعلق بالثقافة الشنقيطية والاعتناء بها"، ويستشهد المحاضر في هذا السياق بالدكتور محمد المختار ولد اباه حيث قال:" ويبدو أن المولى عبد الحفيظ قد تركزت معارفه في المدرسة الشنقيطية التي اعتمد منهجها في الشرح والنظم وفي الأصول المرجعية وهي مدرسة ابن مالك والمختار انجبنان الشنقيطي والمختار بن بونه الجكني والشيخ بن حبت القلاوي وسيد محمد الأغظف الحوضي".
وقد أبرز ولد محبوبي وغيره من المتدخلين مختلف الجهود العلمية لهذا العلم البارز سليل المدرسة الولاتية – حيث درس على خاله أحمدو ولد عبد المالك والفقيه محمد يحيى الولاتي- وسفير شنقيط إلى المغرب الأدنى وإلى بلاد الحرمين، وهديتها إلى الثقافة العربية بشكل عام..
وتوقفوا خاصة عند شرحه لمنظومة المولى عبد الحفيظ المعروفة ب"السبك العجيب لمعاني حروف مغني اللبيب" وهو شرح يقول عنه محبوبي إنه " بالغ الأهمية، ويستمد طرافته من طرافة الموضوع وموسوعية الناظم والمؤلف وهو عبارة عن تتبع دقيق لألفاظ منظومة هذا السلطان سعيا إلى تيسير ألفاظها وتقريب معانيها إلى الأذهان".
ونشير في هذا المقام إلى أن المتدخلين رجحوا أن للفقيه محمد الأغظف مؤلفات أخرى غير شرحه لمنظومة المولى عبد الحفيظ مستندين في ذلك إلى مؤشرين:
ـ ما ورد في مقدمة كتاب المولى عبد الحفيظ "العذب السلسبيل في حل ألفاظ الشيخ خليل" في معرض حديثه عن أستاذه محمد الأغظف من أن له مؤلفات عديدة.
ـ رسالة من الفقيه الفاضل محمد فضل الله ولد أيد إلى نجل محمد الأغظف يوصيه فيها بأن لا يدع كتب والده تضيع...
ولعل ما خشيه هذا الرجل قد وقع فعلا، حيث أن تراث صاحبنا المكتوب لا يزال غير معروف، وهذا واقع يضاعف المسؤولية على ورثته من جهة النسب والعلم، وما أكثر هؤلاء...فهل سيتمكنون من الاهتداء إلى مزيد من آثار محمد الأغظف المجهولة...
وقبل ذلك وبعده لا يسعنا إلا أن نقاسم زميلنا الدكتور محمذن بن المحبوبي هذه الخلاصة المنصفة:
"وصفوة القول إن هذا الجكني المحظري استطاع برهافة حسه وقوة حدسه واتساع معارفه أن يذلل الكثير من المسائل النحوية ضاربا لها أمثلة للتوضيح رائعة، وجالبا عليها نماذج للتوسع رائدة، فيسر بذلك منظومة المولى عبد الحفيظ مما جعل جهده محل عناية فتسابق المؤلفون إلى تحشيته والتعليق عليه فجاء مجهوده شرحا مبينا لعويصات النحو وغامضات الإعراب ومستغلقات الشواهد، وإن شئت قلت إنه جمعُ للفرائد والفوائد، ومألف للنوادر والشوارد، ومستأنس لكثير التوجيهات والاستدراكات ولطيف النكت والاستظهارات. وعلى الرغم من ذلك فإن الآراء النحوية عند هذا العلم تحتاج إلى مزيد نشر وتوسيع، حتى يعم بها النفع وتكتمل منها الفائدة".
ـــــــــــــــــــــــــــ
تنبيه: ورد في المحاضرة القيمة التي قدمها الأستاذ الحسين ولد محنض عن الفقيه محمد الأغظف رحمه الله في هذه الندوة أن شرح هذا الأخير لكتاب مولاي عبد الحفيظ تغمده الله برحمته"السبك العجيب في معاني حروف مغني اللبيب" هو" أول مؤلف يعرف طريقه للطباعة حيث طبع سنة 1325هـ ثم تلاه كتاب الوسيط في تراجم أدباء شنقيط الذي طبع سنة 1329 هـ، والحقيقة أن : كتاب « فتح الودود على مراقي السعود » , للفقيه « محمد يحيى الولاتي" رحمه الله (1330 – 1259هـ) » ,وهو من أهم شروح نظم " مراقي السعود في علم الأصول" للفقيه « سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي الشنقيطي » عليه رحمة الله، وبهامشه شرحه على نظم مرتقى الوصول المسمى (نيل السول وحصول المأمول على مرتقى الوصول) ، طبع سنة 1327 هـ بفاس طبعة حجرية تعتبر أصح الطبعات المتدوالة، وقد طبع على نفقة مولاي عبد الحفيظ، و قدم له العلامة: محمد حبيب الله بن مايابي الشنقيطي شمله الله برحمته الواسعة صاحب زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم . لذا يكون كتاب محمد يحيى قد طبع قبل الوسيط بسنتين.