من نشاطات المركز: مئوية الولاتي


بمناسبة شهر رمضان المبارك

ننشر بإذن الله على فقرات متسلسلة باب الصوم وشرحه

من كتاب"العروة الوثقى على منبع الحق والتقى" للفقيه محمد يحيى الولاتي،

ويتميز هذا النص بحرص المؤلف - رحمه الله- فيه على تأصيل الأحكام التي يوردها.

 

النص:

صدقة الفطر واجبة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم  على الحر والعبد والذكر والأثنى والصغير والكبير من المسلمين.  

يخرجها الرجل عن صغار أولاده ومحاجيره وزوجته، والسَّيِّدُ عن أرقائه بشرط الإسلام في الجميع: صاعًا من بُرٍّ أو من شعير أو من تمر أو من زبيب أو من أقط بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل من البر نصف صاع.

والسنة أداؤها قبل الخروج للصلاة، ويجوز قبل الفطر بيومين أو ثلاثة. وتجب على من عنده فضل عن قوت يومه، وتصرف للفقراء.

 

-الشرح:

(صدقة الفطر واجبة) وجوب الفرائض (فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي أنها واجبة بالسنة لا بالكتاب، لحديث ابن عمر قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم  زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) ،أخرجه مالك في الموطإ والشيخان وأصحاب السنن وابن ماجه، وقال الترمذي حسن صحيح. قال في الإرشاد: مذهب الشافعية والجمهور فرض زكاة الفطر، ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع عليه لكنه معارض فإن الحنفية يقولون بالوجوب دون الفرض على قاعدتهم في التفرقة بين الفرض والواجب.

ونقل المالكية عن أشهب أنها سنة مؤكدة. قال بهرام وروي ذلك عن مالك وهو قول بعض أهل الظاهر وابن اللباب من الشافعية وحملوا الفرض في الحديث على التقدير وهو ضعيف مخالف للظاهر. وقال ابن علية وابن كيسان الأصح نسخ وجوبها واستدل لهما بحديث النسائي عن قيس بن سعد بن عبادة قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله) ولكن في إسناده راوٍ مجهول، وعلى تقدير صحته فلا دليل فيه على النسخ لأن الزيادة في جنس الواجب لا توجب نسخ الأصل المزيد عليه، غير أن محل سائر الزكوات الأموال ومحل زكاة الفطر الرقاب كما نبه عليه الخطابي .

(على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين) لحديث ابن عمر المتقدم قريبا فإن فيه أنها فرض على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين. قال الطحاوي: قوله من المسلمين صفة للمخرجين لا للمخرج عنهم، وتعقب بأن ظاهر الحديث يأباه لأن فيه العبد والصغير وهما ممن يخرج عنهم فدل على أن صفة الإسلام لا تختص بالمخرجين. ويؤيده رواية الضحاك عند مسلم بلفظ «على كل نفس من المسلمين حر أو عبد... الحديث». وقال القرطبي: ظاهر الحديث أنه قصد بيان مقدار الصدقة ومن تجب عليه ولم يقصد بيان من يخرجها عن نفسه ممن يخرجها عن غيره بل يشمل الجميع .

(يخرجها) أي صدقة الفطر (الرجل عن صغار أولاده ومحاجيره وزوجته) وجوبا لما رواه الشافعي عن محمد بن عبد الباقي مرسلا نحو حديث ابن عمر وزاد فيه «ممن تَمُونُونَ». وأخرجه البيهقي من هذا الوجه . ومحل الدلالة قوله: « ممن تَمُونُونَ » فإنه يشمل الأولاد الصغار والزوجة يخرجها عنهم الأب والزوج من ماله. وقد قال مالك والشافعي وأحمد واحتجوا بحديث ابن عمر: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم  بزكاة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تَمُونُونَ) رواه الدارقطني والبيهقي وقال إسناده غير قوي.

وأما المحاجير فيخرجها عنهم الولي من مالهم إن كان لهم مال لحديث ابن عمر المتقدم فإن فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم  فرضها على الصغير والكبير) أي أنها تخرج من مال الصغير، والمخاطب بإخراجها وليه.

(و) يخرجها (السيد عن أرقائه) أي عبيده لقوله صلى الله عليه وسلم : «ليس على المسلم في عبده صدقة إلاّ صدقة الفطر»، (بشرط الإسلام في الجميع) أي المخرج، والمخرج عنهم فلا تجب على الكافر ولا تخرج عنه، والأصل في ذلك قوله: (من المسلمين) في حديث ابن عمر المتقدّم قريبا عند مالك في الموطإ.

قال في الإرشاد: "تنبيه: قوله (من المسلمين) ذكر غير واحد أنّ مالكا تفرد بها من بين الثقاة وفيه نظر فقد رواه جماعة ممن يعتمد على حفظهم منهم: عمر بن نافع والضحاك بن عثمان وكثير بن فرقد والمعلى بن إسماعيل ويونس بن يزيد وابن أبي ليلى وعبد الله بن عمر وأخوه عبيد الله بن عمر وأيوب السختياني. فأما رواية عمر بن نافع فأخرجها البخاري في صحيحه، وأما رواية الضحاك بن عثمان فأخرجها مسلم في صحيحه، وأما رواية كثير بن فرقد فرواها الدارقطني في سننه والحاكم، وأما رواية المعلّى بن إسماعيل فرواها ابن حبان في صحيحه، وأما رواية يونس بن يزيد فرواها الطحاوي في بيان المشكل، وأما رواية ابن أبي ليلى وعبد الله بن عمر العمري وأخيه عبيد الله التي فيها بزيادة قوله (من المسلمين) فرواها الدارقطني، وأما رواية أيوب السّختياني فذكرها الدارقطني، وهذه الزيادة تدل على اشتراط الإسلام في وجوب زكاة الفطر، ومقتضى ذلك أنّه لا تجب على الكافر زكاة الفطر لا عن نفسه ولا عن غيره، فأما عن نفسه فمتفق عليه، وأما عن غيره من عبد وقريب فمختلف فيه.

وللشافعية وجهان مبنيّان على أنّها هل تجب على المؤدّي ابتداء أم على المؤدى عنه ثم يتحمّل المؤدي. والأصح الوجوب بناء على الأصح وهو وجوبها على المؤدى عنه ثم يتحمل المؤدي وهو المحكيّ عن أحمد، وأما عكسه وهو إخراج المسلم عن قريبه وعبده الكافِرَيْن فلا يجب عند مالك والشافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة بالوجوب.

وقال في الفتح: نقل ابن المنذر أن بعضهم احتج بما أخرجه من طريق ابن إسحاق قال: حدثني نافع عن ابن عمر (أنه كان يخرج عن أهل بيته حرهم وعبدهم صغيرهم وكبيرهم مسلمهم وكافرهم من الرقيق) قال: وابن عمر راوي الحديث أعلم بمراده. وتعقب بأنه لو صح لحمل على أنه كان يخرج عنهم تطوعا ولا مانع منه.

وقال سعيد بن المسيب والحسن البصري: إنها لا تجب إلا على من صام. واستدل لهما بحديث ابن عباس: «صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث» أخرجه أبو داود. وأجيب بأن ذكر التطهير خرج مخرج الغالب كما أنها تجب على من لم يذنب كمتحقق الصلاح، وعلى من أسلم قبل غروب الشمس بلحظة. وفي قوله (طهرة... إلخ) دليل على وجوبها على الفقير كالغني، وقد روي ذلك صريحا في حديث أبي هريرة عند أحمد وثعلبة بن صعير عند الدارقطني خلافا للحنفية في أنها لا تجب إلا على من ملك نصابا لحديث «لا صدقة إلا عن ظهر غنى». قال ابن بزيزة: لم يدل دليل على اعتبار النصاب فيها لأنها زكاة بدنية لا مالية. نعم الشرط أن يفضل الصاع عن قوت يومه وقوت من تلزمه نفقته لحديث الصحيح: «لا صدقة إلا عن ظهر غنى».

ونقل ابن المنذر الإجماع على أنها لا تجب عن الجنين. قال: وكان أحمد يستحب إخراجها عنه ولا يوجبه، ونقل بعض الحنابلة رواية عنه بالإيجاب.

وبه قال ابن حزم لكن قيّده بما إذا مضى له مائة وعشرون يوما من يوم حمل أمه به. وتعقّب بأنّ الحمل غير محقق وبأنه لا يسمى صغيرا لغة ولا عرفا.

تخرج حال كونها (صاعا من بر) أي قمح (أو) صاعا (من شعير أو) صاعا (من تمر أو) صاعا (من زبيب أو) صاعا (من أقط) وهو لبن يابس متحجّر فيه زبدة. لحديث أبي سعيد الخدري قال: (كنا نخرج في زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب)، أخرجه مالك في الموطإ والشيخان. زاد مالك في روايته: (وذلك بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ). وزاد الشيخان: (فلما جاء معاوية وجاءت السمراء قال: أرى مدا من هذا يعدل مدين) هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: (فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجا أو معتمرا فكلم الناس على المنبر وجاءت السمراء قال: أرى مدا من هذا يعدل مدّين) . وأخرج مالك في الموطإ عن ابن عمر (أنه كان لا يخرج في زكاة الفطر إلا التمر إلا مرة واحدة أخرج شعيرا). ولحديث ابن عمر قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم  زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير... الحديث) أخرجه البخاري وأصحاب السنن إلا ابن ماجه، وقال الترمذي حسن صحيح. والمراد بالطعام في حديث أبي سعيد البر. قال في الإرشاد: وحكى المنذري في حواشي السنن عن بعضهم اتفاق العلماء على أنّ المراد بالطعام هنا البر .

(بصاع النبي صلى الله عليه وسلم )، لقول أبي سعيد عند الموطإ: (وذلك بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ) وهو أربعة أمداد بمده، والمد رطل وثلث عند مالك والشافعي والجمهور، وقال أبو حنيفة وصاحباه: المدّ رطلان والصاع ثمانية أرطال؛ ثم رجع أبو يوسف إلى قول الجمهور لمّا تناظر مع مالك فأراه الصيعان التي توارثها أهل المدينة عن أسلافهم من زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال محمد بن عبد الباقي: فتخرج زكاة الفطر من أغلب القوت من هذه الخمس وخالف في البر والزبيب من لا يعتدّ بخلافه فقال: لايخرج منهما. وردّه الباجي وعياض بالإجماع عليهما وقاس عليهما مالك ما في معناهما وهو الأرز والدخن والذرة والسلق، وأجاز مالك إخراجها من الأقط وأباهُ الحسن، واختلف فيه قول الشافعي. وكيف هذا مع نص الحديث عليه؟.

(وقيل) أي وقال الحنفية هي أي صدقة الفطر (من البر) أي من القمح (نصف صاع) لا صاع كامل لما في حديث أبي سعيد عند الشيخين من زيادة (فلما جاء معاوية وجاءت السمراء قال: أرى مدا من هذا يعدل مدين)، ولحديث ابن عمر عند البخاري قال: (أمر النبي صلى الله عليه وسلم  بزكاة الفطر صاعا من شعير. قال عبد الله أي ابن عمر: فحمل الناس عدله مدين من حنطة)؛ قال في الإرشاد: وظاهره أنه فعل ذلك بالاجتهاد بناء على أن قيم ما عدا الحنطة متساوية، وكانت الحنطة إذ ذاك غالية الثمن لكن يلزم عليه أن تعتبر القيمة في كلّ زمان فتختلف الحال ولا ينضبط، وربما لزم في بعض الأحيان إخراج آصع من الحنطة. ويدل على أنهم لحظوا ذلك ما روى جعفر الفريابي في كتاب صدقة الفطر (أنّ ابن عباس لما كان أمير البصرة أمرهم بإخراج زكاة الفطر وبيّن لهم أنها صاع من تمر إلى أن قال: أو نصف صاع من بر. قال: فلما جاء عليٌّ ورأى رخص أسعارهم قال: اجعلوها صاعا من كلّ) فدلّ على أنه كان ينظر إلى القيمة في ذلك قاله في فتح الباري، لكن في حديث ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «زكاة الفطر صاع من بر أو قمح عن كلّ اثنين» رواه أبو داود، أي أنه يجزئ عنهما. وهذا نص صريح ولا اجتهاد مع النص وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، لكن حديث ثعلبة في سنده النعمان بن راشد لا يحتج به، وقال البخاري فيه: يهم كثيرا، وقال أحمد: ليس حديثه بصحيح.

وأخرج أبو داود من طريق عبد العزيز بن رواد عن نافع عن ابن عمر أنه قال: (فلما كان عمر كثرت الحنطة فجعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء) . وقد حكم مسلم في كتاب التمييز بوهم عبد العزيز وأوضح الردّ عليه.

وفي مسلم (أن أبا سعيد أنكر على معاوية ما قال وقال: لا أخرج إلا ما كنت أخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم )، يعني الصاع كاملا من الحنطة.

ولأبي داود أنه قال: (لا أخرج أبدا إلا صاعا)، وللدارقطني وابن خزيمة والحاكم (أنّ أبا سعيد قال له رجل: مدّين من قمح؟ فقال: لا تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها) وهذا يدل على وهن ما ذكر عن عمر وعثمان أنهما قالا بالمدين، فليس في المسألة إجماع سكوتي خلافا للطحاويّ. قال النووي: وتمسّك بقول معاوية من قال بالمدين من الحنطة وفيه نظر لأنه فعل صحابي قد خالفه فيه أبو سعيد وغيره من الصحابة ممن هو أطول منه صحبة وأعلم بحال النبي صلى الله عليه وسلم . وقد خرج معاوية بأنه رأيٌ رآه لا أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم،  والله أعلم .

(والسنة) النبوية (أداؤها) أي إعطاؤها لمصرفها (قبل الخروج) أي خروج الناس (للصلاة) أي لصلاة العيد لحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ،أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح.

(وتجزئ) أي أداؤها (قبل) يوم (الفطر بيومين أو ثلاثة) لحديث أبي هريرة قال: (وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم  لحفظ زكاة رمضان...الحديث، وفيه أنه أمسك الشيطان ثلاث ليال وهو يأخذ من التمر) ،أخرجه البخاري. فدل على أنهم كانوا يعجلونها بهذا المقدار. ولابن خزيمة عن أيوب قال: (قلت لنافع متى كان ابن عمر يعطي؟ قال إذا قعد العامل قلت: متى كان يقعد ؟ قال : قبل الفطر بيوم أو يومين . وأخرج مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة.

(وتجب على من عنده فضل عن قوت يومه) أي وقوت من تلزمه نفقته لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال :«لا صدقة إلا عن ظهر غنى » أخرجه أحمد وفسر النبي صلى الله عليه وسلم  الغنى بما يغذيه وما يعشيه كما في حديث سهل بن الحنظلية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار قالوا: وما الغنى يا رسول الله؟ قال: قدر ما يغذيه ويعشيه » أخرجه أبو داود وابن خزيمة وصححه ابن حبان، وهذا هو مذهب مالك والجمهور. وقال الحنفية لا تجب إلا على من ملك نصابا، قال ابن بزيزة :لم يدل دليل على اعتبار النصاب فيها لأنها زكاة بدنية لا مالية، نعم الشرط أن يفضل عن قوت يومه ومن تلزمه نفقته للحديث الصحيح: «لا صدقة إلا عن ظهر غنى».

(وتصرف) أي زكاة الفطر (للفقراء) لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال «أغنوهم -يعني الفقراء- عن طواف هذا اليوم » رواه سعيد بن منصور.


بمناسبة شهر رمضان المبارك

ننشر بإذن الله على فقرات متسلسلة باب الصوم وشرحه

من كتاب"العروة الوثقى على منبع الحق والتقى" للفقيه محمد يحيى الولاتي،

ويتميز هذا النص بحرص المؤلف فيه- رحمه الله- على تأصيل الأحكام التي يوردها.

النص:

ورمضان أفضل الشهور وإذا دخل فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين. ومن صامه أو قامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

وفيه ليلة القدر وتلتمس في العشر الأواخر في أوتارها، والسنة الاجتهاد في العبادة فيها، وأمر الصبيان بصوم رمضان إذا أطاقوه.

الشرح:

(و رمضان) هو (أفضل الشهور) أي شهور العام لقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ... الآية }[البقرة:185]، وقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر} [القدْر:1]{وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْر}، [القدْر:2]، {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر}[القدْر:3]  إلى آخر السورة. ففي الآيتين دليل واضح على أنّ رمضان هو أفضل الشهور حيث خصه الله تعالى بإنزال القرآن وجعل ليلة القدر فيه.

(وإذا دخل) رمضان (فتحت أبواب الجنة) فرحا بالمؤمنين الصائمين وتهيئا لدخولهم فيها، أو المراد بالجنة الرحمة التي تنزل في رمضان أي فتحت أبواب الرحمة.

(وغلقت أبواب جهنم) أي أبواب الشر والبلاء الدنيوي والأخروي فلا ينزل فيه شر. (وسلسلت الشياطين) أي شدّت بالسلاسل فلا يصلون إلى إفساد المسلمين، أو المراد بالشياطين مسترقو السمع فلا يسترقون في رمضان. والأصل في ذلك حديث أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلّقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين» أخرجه مسلم والنسائي. وفي رواية مسلم «فتحت أبواب الرحمة». وأخرج البخاري عن أبي هريرة أيضا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين».

(ومن صامه) أي رمضان (أو قامه) أي صلى بالليل قيامه المشروع فيه (إيمانا) أي حال كونه مؤمنا أي مصدقا مشروعية صيامه وقيامه وبما في ذلك من الثواب (واحتسابا) أي وحال كونه محتسبا صيامه وقيامه عند الله بأنْ صامه لوجه الله لا رياء ولا سمعة ولا لغرض دنيوي (غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر) أي ذنوبه كلها ما تقدّم منها قبل صومه رمضان وقيامه فيه وما تأخر منها عن ذلك أي ما سيحدث له من ذنب بعد ذلك، لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه» أخرجه الشيخان وأحمد، وزاد أحمد «وما تأخر». وحديث أبي هريرة أيضا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه» أخرجه البخاري والنسائي في السنن الكبرى وزاد: «وما تأخّر». قال في الفتح: ظاهر الحديث يتناول الصغائر والكبائر، وبه جزم ابن المنذر، وقال النووي: المعروف أنّه يختص بالصغائر وبه جزم إمام الحرمين وعزاه عياض لأهل السنة.

(وفيه) أي في رمضان (ليلة القدر) لقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ... الآية}[البقرة:185 وقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر} [القدْر:1] فدل مجموع الآيتين على أنّ ليلة القدر في رمضان جزما والله أعلم.

(وتلتمس) ليلة القدر أي تطلب (في العشر الأواخر) من رمضان (في أوتارها) أي العشر الأواخر لحديث ابن عباس أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان -أي ليلة القدر- في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة تبقى» أخرجه البخاري. ولحديث أبي سعيد الخدري أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اعتكف معي فليعتكف في العشر الأواخر أي من رمضان وقد أريت هذه الليلة ـ يعني ليلة القدرـ ثم أُنسيتها وقد رأيتني أسجد من صبيحتها في ماء وطين، فالتمسوها في العشر الأواخر ـــ أي من رمضان ـــ والتمسوها في كل وتر». قال أبوسعيد: (فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف وعلى جبينه وأنفه أثر الماء والطين من صبح ليلة إحدى وعشرين)، أخرجه مالك في الموطإ والشيخان. قال ابن عبد البر: وهو أصح حديث في هذا الباب.

ولحديث عائشة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان» أخرجه البخاري. وحديث ابن عمر أيضا أنّ رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أُرُوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر من رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر»، أخرجه مالك والشيخان. وأخرج أحمد عن علي مرفوعا «إن غلبتم فلا تغلبوا في السبع البواقي». وأخرج مسلم عن ابن عمر «التمسوها في العشر الأواخر فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبنّ على السبع البواقي».

وأخرج مالك في الموطإ والبخاري عن أنس بن مالك قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فقال: «إني أريت هذه الليلة حتى تلاحى رجلان فرفعت، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة».

(والسنة النبوية الاجتهاد) أي بذل الجهد (في العبادة فيها) أي في العشر الأواخر من رمضان لحديث عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شدّ مئزره وأحيى ليله وأيقظ أهله أي للصلاة، أخرجه الشيخان وأصحاب السنن. ورواية مسلم: جدّ أي في العبادة وشدّ مئزره. قال في الإرشاد عند ابن أبي عاصم بإسناد مقارب عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في رمضان قام ونام فإذا دخل العشر شدّ المئزر واجتنب النساء. وفي حديث أنس عند الطبراني: كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان طوى فراشه واعتزل النساء.

(و) السنة (أمر الصبيان) على الندب (لصوم رمضان) ليتدربوا عليه (إذا أطاقوه) لما أخرجه البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه معلقا ولفظه: وقال عمر رضي الله عنه لنشوان – أي لرجل سكران– في رمضان: ويلك وصبياننا صيام فضربه. أي ويلك تشرب الخمر في رمضان وصبياتنا صيام. وأخرج البخاري أيضا عن الربيع بنت معوّذ قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار من أصبح مفطرا فليتم صومه ومن أصبح صائما فليصم. قالت: فكنا نصومه بعد ونصوّم صبياننا. وأخرجه مسلم وزاد: صبياننا الصغار ونذهب بهم إلى المسجد.

قال في الفتح: والجمهور على أنه لا يجب الصوم على من دون البلوغ. واستحب جماعة من السلف منهم ابن سيرين والزهري صوم الصبيان، وقال به الشافعي وأنهم يؤمرون للتمرين عليه إذا أطاقوه. وحدّه أي أصحابه أي زمن إطاقتهم له بسبع سنين وعشر سنين كالصلاة. وحدّه إسحاق باثني عشرة سنة. وحدّه أحمد في رواية عنه بعشر سنين. وقال الأوزاعي: صوم ثلاثة أيام متتابعات لا يضعف فيهن حمل على الصوم.

والمشهور عن المالكية أنه لا يشرع في حق الصبيان. وقد تلطف المصنف في الرد عليهم بإيراده أثر عمر بعد الترجمة لأنّ أكثر ما يعتمدونه في مخالفة الأحاديث دعوى أنّ عمل أهل المدينة على خلافها ولا عمل يستند عليه أقوى من العمل في عهد عمر مع شهرة تحريه ووفور الصحابة في زمنه. وقد قال للذي أفطر في رمضان موبخا له: كيف تفطر وصبياننا صيام. وأغرب ابن الماجشون فقال: إذا أطاق الصبيان الصيام ألزموه فإن أفطروا بغير عذر فعليهم القضاء.

 بمناسبة شهر رمضان المبارك

ننشر بإذن الله على فقرات متسلسلة باب الصوم وشرحه

من كتاب"العروة الوثقى على منبع الحق والتقى" للفقيه محمد يحيى الولاتي،

ويتميز هذا النص بحرص المؤلف فيه- رحمه الله- على تأصيل الأحكام التي يوردها.

 

النص: ومن مات وعليه صوم صام وليُّه وأجزأ، والجمهور على نفيه. وينهى عن صوم يوم الشك احتياطا، وعن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا من كان صائما، وقيل ينهى عن تقدمه به من نصف شعبان.

 


الشرح: (ومن مات و) الحال أن (عليه) أي في ذمته (صوم صام) عنه (وليه) ندبا (وأجزأ) إن صام عنه لحديث عائشة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليُّه». ولحديث ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنّ أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: نعم أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضيه؟ قالـ: نعم. قال: فدين الله أحق بالقضاء، أخرج الحديثين الشيخان وبه قال الشافعي في القديم وأحمد في رواية وطائفة من السلف فقالوا: يستحب لوارثه أن يصوم عنه ويبرأ به الميت ورجحه النووي.

(والجمهور على نفيه) أي نفي إجزاء الصوم عن الميت أي أنه لا يندب لوارثه أن يصوم عنه ولا يبرأ هو بصوم وليه عنه وهو قول الجمهور منهم مالك وأبو حنيفة والشافعي في الجديد وأحمد في رواية لما أخرجه مالك في الموطإ أنه بلغه أن ابن عمر كان يُسْأَلُ هل يصوم أحد عن أحد؟ فيقول: "لا يصوم أحد عن أحد". وأخرج البيهقي عن عائشة أنها قالت: لاتصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم، وأخرج عنها أيضا أنها سئلت عن امرأة ماتت وعليها صوم قالت: "يطعم عنها". وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس في رجل مات وعليه رمضان قال: يطعم عنه ثلاثون مسكينا. وأخرج النسائي عن ابن عباس أنه قال: لا يصم أحد عن أحد. فهذا هو حجة الجمهور في نفي الصوم عن الميت قالوا: فلما أفتى ابن عباس وعائشة بخلاف ما روياه دلّ ذلك على نسخ مرويّهما وهي قاعدة عند الحنفية. وأجاب المالكية عن حديث عائشة وابن عباس بأن عمل أهل المدينة على خلافهما، وأعلوا حديث ابن عباس بالاضطراب، والله أعلم.

(وينهى) نهي تنزيه وقيل نهي تحريم (عن صوم يوم الشك) أو صومه (احتياطا) أي لئلا يكون من رمضان لحديث عمار بن ياسر: من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم، أخرجه أصحاب السنن الأربعة وصححه الترمذي وعلّقه البخاري جزما لأنّ الصحابي لا يقول ذلك من قِبَل رأيه فحُكْمُه الرفع. قال ابن عبد البر: هو مسند عندهم اتفاقا، وخالفه الجوهري المالكي فقال: هو موقوف، وجمع الحافظ ابن حجر بينهما بأنه موقوف لفظا مرفوع حكما.

(وينهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين) بأن يصوم قبله يوما أو يومين على التحري أنهما من رمضان (إلا من كان صائما) قبل ذلك فلا يكره له أن يصل صومه برمضان.

والأصل في ذلك حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يتقدمّنّ أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم»، أخرجه الشيخان وأصحاب السنن الأربعة. وأخرج الطبراني عن عائشة أنّ ناسا كانوا يتقدمون الشهر فيصومون قبل النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}[الحُجُرات:1]، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين». قال في الفتح: وفي الحديث منع إنشاء صوم يوم أو يومين قبل رمضان إذا كان لأجل الاحتياط فإن زاد على ذلك فمفهومه الجواز. قلت: وهو قول الجمهور.

(وقيل ينهى عن تقدمه) أي رمضان (به) أي بالصوم (من نصف شعبان) أي من اليوم السادس عشر لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا رواه أبو داود وغيره، وبه قطع كثير من الشافعية، وأجابوا عن حديث أبي هريرة بأنّ المراد منه النهي عن التقدّم بالصوم، فحيث وجد ُمنِعَ وإنما اقتصر على يوم أو يومين لأنّ الغالب ممن يقصد ذلك. قال في الفتح: وظاهر الحديث أنه يحرم الصوم إذا انتصف شعبان، وقال الروياني من الشافعية: يحرم تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين لحديث الباب، ويكره تقدمه بصوم نصف الشهر أي شعبان وضعف الحديث الوارد فيه. وقال أحمد وابن معين أنه منكر. والراجح أنّ النهي في المسائل الثلاث على الكراهة والله أعلم.

 

بمناسبة شهر رمضان المبارك

ننشر بإذن الله على فقرات متسلسلة باب الصوم وشرحه

 من كتاب"العروة الوثقى على منبع الحق والتقى" للفقيه محمد يحيى الولاتي،

 ويتميز هذا النص بحرص المؤلف - رحمه الله- فيه على تأصيل الأحكام التي يوردها.

النص:

وللهرم العاجز عن الصوم أصلا والحاملِ والمرضعِ، الفطرُ مع الفدية إطعام مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم عن كل يوم ولا قضاء. والراجح أن على الحامل والمرضع القضاء، وهو على التراخي، ولا بأس بتفريقه، وتتابعُه أفضل، وقيل واجبٌ. ومن فرَّط فيه حتى دخل رمضان الثاني أطعم مع القضاء عن كل يوم مسكينا بمد النبي صلى الله عليه وسلم.

الشرح:

(وللهرم) أي الكبير جدا من رجل أو امرأة (العاجز عن الصوم أصلا) أي في كل زمن (و) المرأة (الحامل و) المرأة (المرضع) أي التي ترضع ولدها (الفطرُ) في رمضان (مع الفدية) ندبا، وهي (إطعام مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم عن كل يوم) عند القضاء.

أما الهرم فلِما أخرجه مالك في الموطإ عن أنس أنه كبر حتى كان لا يقدر على الصيام فكان يفتدي. وأما الحامل فلِما في الموطإ أيضا أنّ ابن عمر سئل عن الحامل إذا خافت على ولدها واشتدّ عليها الصيام قال: تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكينا من حنطةٍ بمدِّ النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما المرضع فلما أخرجه البيهقي وأبو داود بإسناد حسن عن ابن عباس في قوله تعالى: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين أنه نسخ إلا في حق الحامل والمرضع. وروي عن ابن عباس في الآية أيضا أنها محكمة في الشيخ الكبير العجوز الهرم قاله في الإرشاد، وروي عن ابن عمر أنها محكمة فيها أيضا. وفي كشف الغمة: كان صلى الله عليه وسلم يرخص في الفطر للمريض والشيخ والعجوز والحامل والمرضع، وقال صلى الله عليه وسلم: إنّ الله قد وضع عن الحامل والمرضع الصوم، وكان ابن عباس يقول في قوله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}[البقرة:184]: كان من أراد أن يفطر في رمضان ويفتدي فعل، حتى نزل قوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة:185] فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح إذا لم يكن حاملا ولا مرضعا ورخّص فيه للمريض والمسافر وأثبت الإطعام للحامل والمرضع والكبير الذي لا يقدر على الصيام من الرجال والنساء فيطعم كل منهم مكان كل يوم مسكينا.

(ولا قضاء) على الجميع مع الفدية لحديث أنس في الهرم أنه يفتدي فقط كما تقدّم عن الموطأ. ولحديث ابن عباس عند البيهقي في الحامل والمرضع أنّ عليهما الفدية فقط، واستدلّ على ذلك بقوله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}[البقرة:184] وقال: إنها محكمة فيهما. وفي رواية عنه إنها محكمة في الهرم معهما أيضا، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله قد وضع عن الحامل والمرضع الصوم» كما في كشف الغمة، وهو رواية شاذة عن مالك في الحامل والمرضع نقلها ابن عبد البر وعياض أنّ على الحامل والمرضع الفدية فقط ولا قضاء عليهما . وأما الهرم فمشهور مذهب مالك أن ليس عليه إلا الفدية.

(والراجح) عند جمهور العلماء (أنّ على الحامل والمرضع القضاء) أي قضاء رمضان، والأصل في وجوبه عليهما الأمر الأول الوارد بوجوب صوم رمضان وهو قوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة:185]، قالوا: لأنه يستلزم وجوب القضاء عند زوال العذر، وأما الفدية فالراجح نفيها عن الحامل لأنها مريضة حكما فهي داخلة في قوله تعالى:{فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة:184]. قال مالك في الموطإ: وأهل العلم يرون على الحامل القضاء فقط بلا إطعام خلافا لابن عمر، ويرون ذلك -أي الحمل- مرضا من الأمراض مع الخوف على ولدها. قال ابن عبد الباقي: بخلاف المرضع الخائفة على ولدها فتقضي وتطعم وهذا هو المشهور من أقوال مالك، وجزم ابن عبد البر بأن الحامل تطعم مع القضاء وعزاه لطائفة منهم مالك في قول، وثالث أقواله: يطعمان ولا قضاء عليهما.

(وهو) أي القضاء واجب (على التراخي) لا على الفور لحديث عائشة في الموطأ والصحيحين والسنن قالت: كان يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان، قال يحيى: الشغل من النبي صلى الله عليه وسلم هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: فما نقدر أن نقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي شعبان فحذف لفظ "قال يحيى...إلخ". قال في الإرشاد: فهو نص في كونه من قولها. قال في اللامع: وفيه نظر لأنه ليس فيه تصريح بأنه من قولها فالاحتمال باق. ومعنى شغلها بالنبي صلى الله عليه وسلم أنها تتوقع حاجته فيها، وأما في شعبان فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه فتتفرّغ عائشة فيه لقضاء صومها، وفي هذا دليل واضح على أنّ قضاء رمضان واجب في جميع العام على التراخي وهو قول الجمهور والله أعلم.

ويدل له أيضا ما رواه الترمذي وابن خزيمة عن عائشة قالت: ما قضيت مما يكون عليّ من رمضان إلاّ في شعبان حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم.

(ولا بأس بتفريقه) أي قضاء رمضان لما أخرجه البخاري عن ابن عباس معلقا ولفظه: وقال ابن عباس: لا بأس أن يفرق –أي قضاء رمضان- لقوله تعالى:{فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، وأخرج عبد الرزاق أثر ابن عباس هذا متصلا عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس فيمن عليه قضاء رمضان قال: يقضيه مفرقا قال تعالى:{فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، وأخرج الدارقطني من وجه آخر عن معمر بسنده قال: صُمْه كيف شئت أي مفرقا أو متتابعا، وقال عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أن ابن عباس وأبا هريرة قالا: فرقه إذا أحصيته، انتهى من الفتح. وفي الدارقطني بإسناد ضعيف أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن قضاء رمضان فقال: إن شاء فرّقه وإن شاء تابعه.

(وتتابعه أفضل) أي مستحب لقول عائشة: نزلت (فعدة من أيام أخر متتابعات) ثم سقطت متتابعات أي نسخت أي نسخ الوجوب وبقي الاستحباب، وهذا هو مذهب الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة.

(وقيل) تتابعه أي قضاء رمضان (واجب) لما أخرجه مالك في الموطإ عن نافع أنّ ابن عمر يقول بصوم قضاء رمضان متتابعا من أفطره من مرض أو في سفر.

قال في الفتح: ونقل ابن المنذر وغيره عن عائشة وعليّ وجوب التتابع وهو قول بعض أهل الظاهر وروى عبد الرزاق عن ابن عمر أنه يقضيه متتابعا اهـ، وقال به من التابعين الحسن والشعبي والله أعلم.

(ومن فرط فيه) أي في قضاء رمضان (حتى دخل) عليه (رمضان الثاني أطعم مع القضاء عن كل يوم مسكينا بمد) يعطيه إياه وجوبا، وهو مدّ النبي صلى الله عليه وسلم لما أخرجه البخاري عن أبي هريرة وابن عباس معلقا ولفظه: ويذكر عن أبي هريرة مرسلا وابن عباس أنه يطعم.

أما أثر أبي هريرة فقد أخرجه عبد الرزاق عنه متصلا وأخرجه الدارقطني مرفوعا من طريق مجاهد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما أثر ابن عباس فقد أخرجه سعيد بن منصور والدارقطني متصلا، قال في الإرشاد: ورد عن جماعة من الصحابة وجوب الإطعام على المفرط في قضاء رمضان حتى دخل عليه الثاني منهم أبو هريرة وابن عباس كما مرّ وعمر بن الخطاب فيما ذكره عبد الرزاق وهو قول الجمهور خلافا للحنفية. قال الماوردي: وقد أفتى بالإطعام ستة من الصحابة ولا مخالف لهم.

بمناسبة شهر رمضان المبارك

 ننشر بإذن الله على فقرات متسلسلة باب الصوم وشرحه

 من كتاب"العروة الوثقى على منبع الحق والتقى" للفقيه محمد يحيى الولاتي،

         ويتميز هذا النص بحرص المؤلف فيه- رحمه الله- على تأصيل الأحكام التي يوردها.                 

 

النص:

 ويجوز فطر المريض والمسافر في رمضان. وإنشاء السفر فيه. وفطر يوم الخروج عند انفصاله، وفي أثنائه بعد تبييت الصوم، والراجح منعه فيهما، ومن صام أجزأه، وهو أفضل، أو الإفطار، أو أيسرهما، أو مخير، وإن علم قدومه غدوة فليصم.

 الشرح:

(ويجوز فطر المريض والمسافر في رمضان) لقوله تعالى:  { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة:184]، ولقوله تعالى: {ِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة:185]، ولحديث  حمزة الأسلمي أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أأصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام فقال صلى الله عليه وسلم: إن شئت فصم وإن شئت فأفطر، أخرجه مالك في الموطإ والشيخان. وأخرج الثلاثة عن أنس قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم. وأخرج مسلم عن أبي سعيد نحوه. وأخرج الشيخان عن أبي الدرداء قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في يوم حار حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحة.

(و) يجوز (إنشاء السفر فيه) أي في رمضان بعدما شهد الشهر في الحضر لحديث ابن عباس لإ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ الكديد أفطر فأفطر الناس، أخرجه الشيخان ومالك في الموطإ. قال في الفتح: والحديث نصّ في جواز إنشاء السفر في رمضان إذ لا خلاف أنّه صلى الله عليه وسلم استهلّ عليه رمضان وهو بالمدينة ثم سافر في أثنائها. وفي شرح محمد بن عبد الباقي أنه صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة لعشر خلون من رمضان يوم الأربعاء.

(و) يجوز (فطر يوم الخروج) من البلد (عند انفصاله) عن البلد بعد تبييت الصوم في الحضر لحديث جعفر عن أبي بصرة الغفاري قال: لما جاوز أبو بصرة البيوت دعا بالسفرة أي ليأكل منها، قال جعفر فقلت له: ألست ترى البيوت؟ قال أبو بصرة: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال جعفر: فأكل، أخرجه أبو داود. وحديث أنس أنه كان إذا أراد أن يسافر يفطر في الحضر قبل أن يركب، أخرجه البيهقي وابن أبي شيبه. وحديث أبي الدرداء قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في يوم حار حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحة، أخرجه الشيخان.

و بجواز فطر يوم الخروج قال الحسن والشافعي في رواية وأحمد وابن حبيب والمزني وإسحاق بن راهويه.

(و) يجوز الفطر (في أثنائه) أي السفر (بعد تبييت) نية (الصوم) في السفر لحديث ابن عباس المتقدم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح صائما فصام حتى بلغ الكديد أفطر فأفطر الناس، أخرجه مالك في الموطإ والشيخان. وحديث جابر عند مسلم والترمذي نحوه وزاد فيه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أنّ الناس شق عليهم الصيام، وقيل له: إنما ينظرون إلى ما فعلت. فلما استوى على راحلته بعد العصر دعا بإناء من ماء فوضعه على راحلته ليراه الناس فشرب فأفطر فناوله رجلا إلى جنبه فشرب. فقيل له بعد ذلك أنّ بعض الناس قد صام فقال صلى الله عليه وسلم: أولئك العصاة. وفي الصحيحين عن طاووس: ثم دعا بماء فرفعه إلى يده، وفي أبي داوود: فرفعه إلى فيه فأفطر. وللبخاري عن عكرمة عن ابن عباس: بإناء من لبن أو ماء فوضعه على راحته أو راحلته.

وفي الموطإ في آخر هذا الحديث: وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال المازري: واحتج بهذا الحديث مطرف ومن وافقه من المحدثين على أنّ من بيّت الصوم في رمضان في السفر فله أن يفطر، وهو أحد قولي الشافعي، ومنعه الجمهور قالوا: لأنه كان مخيرا في الصوم والفطر، فلما اختار الصوم وبيّته لزمه، وحملوا الحديث على أنّه صلى الله عليه وسلم أفطر للتقوّي على العدوّ للمشقة الحاصلة له ولهم. قاله ابن عبد الباقي. وقال ابن حجر في فتح الباري: واستدلّ بالحديث على أنّ للمسافر أن يفطر في السفر في أثناء النهار ولو نوى الصوم من الليل وأصبح صائما.

(والراجح منعه) أي الفطر (فيهما) أي المسألتين: مسألة الفطر في يوم الخروج، ومسألة الفطر في النهار في أثناء السفر بعد تبييت الصوم فيهما، وهو مذهب الجمهور. وحجتهم قوله تعالى: {أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ}[البقرة:187]  فإنه تعالى أمر بإتمام الصوم الذي شرع فيه والأمر للوجوب، وقوله تعالى: {وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم}[محمد:33]  فإنه تعالى نهى في الآية عن إبطال العمل الصالح بعد الشروع فيه والنهي للتحريم.

(ومن صام) رمضان في السفر (أجزأه) صومه عن رمضان لحديث ابن عباس لإ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد أفطر فأفطر الناس، أخرجه مالك في الموطإ والشيخان والترمذي. وحديث أبي سعيد قال: سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن صيام فقال: إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلا آخر فقال: إنكم مصبحو عدوّكم والفطر أقوى لكم فأفطروا، فكانت عزيمة، أخرجه مسلم وابن عبد البرّ. وحديث أنس قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.

ففي هذه الأحاديث أنّ من صام رمضان في السفر أجزأه عن رمضان وهو مذهب الجمهور منهم الأئمة الأربعة وخالف في ذلك جماعة: عمر وابنه وأبو هريرة وعبد الرحمن بن عوف من الصحابة، والنخعي والزهري وأهل الظاهر من التابعين وتابعيهم. وحجتهم قوله تعالى {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة:184]، فقالوا: جعل الله فرض المريض والمسافر الصوم في عدة أيام أخر أي في غير أيام رمضان، فإذا صام قبل الزمن الموقت لصومه لم يجزئه، واحتجوا بحديث الشيخين أنّ النبي صلى الله عليه وسلم رأى في سفر زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال: ما هذا؟ قالوا: صائم. فقال: ليس من البرّ الصوم في السفر، ولفظ مسلم: ليس البر أن تصوموا في السفر، وزاد بعض الرواة: عليكم برخصة الله تعالى التي رخص لكم. قالوا: وما لم يكن من البر فهو من الإثم. وفي الموطأ عن نافع أن ابن عمر كان لا يصوم في السفر، قال محمد بن عبد الباقي لأنه كان يرى أن الصوم في السفر لا يجزي.

(وهو) أي صوم رمضان في السفر (أفضل) من الإفطار لقوله تعالى: { وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون}[البقرة:184]، ولما ثبت من صومه صلى الله عليه وسلم في السفر كما في حديث ابن أبي أوفى وأبي الدرداء وحديث ابن عباس عند الشيخين كما قدمنا وهو مذهب الجمهور منهم مالك والشافعي وأبو حتيفة.

(أو الإفطار) في السفر أفضل لحديث جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال ما هذا قالوا صائم فقال: ليس من البر الصوم في السفر، أخرجه الشيخان. ولحديث أنس قال: كنا مع النبي  صلى الله عليه وسلم في السفر فمنا الصائم ومنا المفطر فنزلنا منزلا في يوم حار أكثرنا ظلا صاحب الكساء ومنا من يتقي الشمس بيده فسقط الصوام وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب فقال  صلى الله عليه وسلم: ذهب المفطرون اليوم بالأجر، أخرجه مسلم. وأخرج أيضا عن حمزة السلمي أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أجد قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح أي في الفطر فقال صلى الله عليه وسلم: هي رخصة من الله تعالى فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه، قال عياض: احتج به من قال الفطر أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم فيه فحسن، وقال في الصوم فلا جناح، وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق.

(أو) الأفضل (أيسرها) عليه لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة:185] فمن كان الصوم أيسر عليه فهو أفضل ومن كان الفطر أيسر عليه فهو أفضل له وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق وعمر بن عبد العزيز واختاره ابن المنذر.

(أو) هو (مخير) فإن شاء صام وإن شاء أفطر لحديث حمزة السلمي قال: يا رسول الله إني رجل أصوم أفأصوم في السفر؟ فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: إن شئت فصم وإن شئت فأفطر، أخرجه مالك في الموطأ والشيخان. وأخرج أبو داود والحاكم عن حمزة أنه قال: يا رسول الله إني صاحب ظهر أعالجه أسافر عليه وأكريه وإنه ربما صادفني هذا الشهر يعني رمضان في السفر وأنا أجد القوة وأجدني أن أصوم أهون علي من أن أؤخره فيكون دينا علي فقال  صلى الله عليه وسلم: إن شئت ذلك فافعل.

(وإن علم) أي المسافر (قدومه) لبلده (غدوة) أي أول النهار (فليصم) ندبا عند مالك لما أخرجه في الموطأ عن عمر بن الخطاب ؛: أنه إذا كان في سفر في رمضان فعلم أنه داخل المدينة من أول يومه دخل وهو صائم. قال مالك ومن كان في سفر فعلم أنه داخل على أهله من أول يومه وطلع له الفجر قبل أن يدخل دخل وهو صائم، أي استحبابا كما قال الإمام نفسه في مختصر ابن عبد الحكم. وقال أبو حنيفة يجب عليه إمساك بقية يومه إذا دخل على أهله في رمضان نهارا. واحتج له أصحابه باتفاقهم على أنّ من أصبح في أول يوم رمضان مفطرا ثم صح أنه من رمضان أنه يمسك بقية يومه وليس بحجة. والفرق بينهما أن المسافر ونحوه له الفطر مع العلم برمضان للعذر، والجاهل بدخول الشهر ليس جهله بدافع عنه الواجب إذا علمه قاله أبو عمر.