من نشاطات المركز: مئوية الولاتي


بين ولاته وأهلها قصة حب لم يقو الزمان على إخماد جذوتها، فهي دائمة التأجج والتوهج، متمكنة من القلوب والعقول، مدينة تسكن وجدان ساكنها فتشكل سلوكه وتهيمن على أقواله وأفعاله جاعلة من حياته جزء من حياتها فلا يدركها العجز ولا يطالها الهرم.

هذا ما توحي به الخاطرة  التي يناجي فيها الأستاذ حسني الفقيه مدينته الحبيبة في لحظة تأمل وجودي حول الهوية والانتماء مخاطبا إياها بإكبار وإجلال جعلاه يراها بقلبه لا بعينيه معتذرا لها عن التقصير الذي جعل حاضرها لا يعكس سالف مجدها، داعيا إلى التدارك لإنقاذها فينأى بها عن الأوصاف المادية بعيدا عن إمكانية تشبيهها بمدن أخرى  ومقارنة حجر بحجر، مرتقيا بصورتها إلى منزلة الرمز الجامع لأسمى المعاني وأنبل القيم، فهي المدينة التي فجرت من الحجارة الصلد والأرض اليباب فضاءات خصب وثراء وانتصبت منارة علم وحكمة وأدب، يكفي الوقوف عند بابها للانطلاق في رحلة فكرية – روحية كالتي يتيحها الحج إلى مقامات مقدسة اصطفاها الخالق لتكون محطات بارزة في طريق الهدى والنور.

فولاته أم ولود ودود ترضع صغارها بسخاء ينسيها فطامهم فيكبرون منشدين إليها في حلهم وترحالهم برباط وثيق يشعرهم أن الوصال غنم والفصال غبن والهجر عقوق وخسران مبين وتضييع للجوهر من أجل العرض.

وولاته شجرة عجيبة تورق وتزهر وتثمر في كل حين أصلها ضارب في عمق الماضي المجيد وفرعها يعانق أفق المستقبل الفسيح وحاضرها مأدبة فاخرة تقدم غذاء طيبا لأخوة الطين والدين، دعم موقعها الجغرافي إثراء الرصيد البشري لأمة الإسلام والإسهام في بناء الحضارة الإنسانية.

إن ما تزخر به ولاته من مخزون حضاري هائل وموروث ثقافي متنوع وأنشطة مهنية وحرفية متميزة وعادات وتقاليد أصيلة تمثل كلها قطاعات تنموية تنتظر التفعيل والتوظيف والاستثمار للنهوض بالموارد البشرية وتحسين ظروف العيش وخلق مواطن شغل وفق خطة تنموية متكاملة وهدف طموح يثمن الذات ويدعم روح الجماعة( un objectif valorisant et fédérateur) يشارك الجميع في تصوره وإنجازه بالفكر والساعد ويتم بفضله إدخال ولاته دائرة الفعل من جديد وترجمة حق الإنتماء إلى ولاته الأمس إلى واجب الانخراط  في تحقيق البرامج والمشاريع المطورة لواقعها حاضرا ومستقبلا...

ولاشك أن ولاته على غرار العواصم الإسلامية العريقة تمثل حافزا قويا وقدوة حسنة لامتلاك مسلمي اليوم مقومات القدرة على صنع الحضارة ومواجهة التحديات والرهانات التي تفرضها العولمة وتحقيق الأمن الثقافي الذي يقي الأجيال الصاعدة من التهميش والتلاشي في عصر صراع الحضارات وما ذلك على ذوي العزم بعزيز...

والله ولي التوفيق

د.منور خميلة

قفصه – جوان /جويلية 2013

1-   خاطرة حسني الفقيه منشورة على الموقع تحت عنوان: ولاتة لحظة مهرجان ( انظر زاوية مهرجان ولاتة في يمين صفحة الموقع)

/