من نشاطات المركز: مئوية الولاتي


ولد انَّ في ولاته حوالي 1882م  وفيها نشأ وتربى، حفظ القرآن في صغره ثم بدأ  في دراسة العلوم  من توحيد وفقه ونحو ولغة وبيان...

من أشياخه عمه الطالب ببكر ومحمد الأمين بن عبد الله اليونسي، وربما يكون درس على الفقيه محمد يحيى الولاتي.

ومن أشياخه أيضا بعد أن أسَنَّ خليله الشيخ سيدي محمد بن عابدين الكنتي راجع عليه سفر خليل بعد الشيخوخة، وكان يحفظه ويقرأه  كل ليلة عن ظهر قلب جهرا. وقد اعترض عليه صباري بن سيدي عثمان معاصره وصديقه قائلا له: لمَ يكتب سفر خليل في هذه السن وهو قد كتبه عدة مرات، فرد عليه انَّ قائلا: إن العبادات لا تترك لقراءة الصبوة..

كان رحمه الله عالما زاهدا في الدنيا  كثير النسك وملازمة المسجد، تولى إمامة الصلاة مدة طويلة في ولاتة. ولما تنازل عنها لدواع شخصية طلبت منه جماعة المسجد أن يشير عليها بمن يخلفه، فأشار عليهم بمحمد جد بن محمد عبد الله، فقيل له  ما اخترته إلا لأنه ابن شيخك فهو كثير التدخين وأنت شديد الكره له. فرد عليهم ما كنت أعرف أن التدخين من موانع الإمامة ثم سرد لهم:

شرط الإمام ذكر مكـــلف              آت بالأركان وحكما يعرف

وهذا الشرط متوفر في من اخترته لكم.

كان إلى جانب علمه وورعه شاعرا مجيدا لكنه كان مقلا، كما أخبرني ابنه ابَّ بن انَّ الذي قال لي بأن صديق والده العلامة الأديب أحمد بن سيد عثمان وصفه له بتلك الألفاظ..

ومن شعره قصيدة  قالها في المناسبة التالية: أصاب مدينة ولاتة سنوات جفاف قضت على ما كان عند عائلته من بقرات ومن قطيع غنم، فأشارت عليه جماعة المسجد، أنه، إن كان لا يحبذ مباشرة الناس بحوائجه، يمكنه أن يعمل بالعادة التي كانت سائدة في ولاتة، وهي تردد المؤذن بين صفوف المصلين في العيدين وهو يقول باللهجة الحسانية " اقْبُورْنَ واقبوركم، الموت اتْزُورْنَ واتْزُورْكُمْ"

وعندما ما يقول هذه العبارة بين صفوف المصلين فلا يكاد يبقى من يستطيع من المصلين أن يتبرع بشيء من نقود وعروض إلا وتقدم به، فيجمع المؤذن ما حصل فيحمله إلى دار الإمام فيسهمه منه ويحتفظ بالبقية..وألحت عليه الجماعة بأن هذه العادة لا غضاضة فيها ولا تعتبر سؤالا فأجابهم بأنه سوف ينظر في الأمر، وجاء رده عليهم بالقصيدة التالية:

يا من لكم قبل الإله تقرب          وإليـــــكمُ كل المكارم تُنسب

ولكم مزايا جمة ونزيلكم          أُمٌّ له أنـــــــتم نَعَمْ وله أبٌ

ولكمْ إلى بذل  النَوال تشوقٌ     وبه حياةُ نفوسكم والمكسب

قد رمتمُ مني ارتياد عطائكم    قبل الصلاة وذا لديكمْ أصوب

والحال يأبى غيره ويحضكم    أَن كان للأسلاف فيه تمذهب

وهو الشعار شعاركم ورضاكمُ  في فعله، وإلى رضاكم أرغب

هذا ولا أدع السؤال حشاكمُ     أَنْ ســـــــاء ظني أنه سيخيب

لكن نفسي لم ترده وأنشدت     بيتا به الأمثال قدما تضرب:

لا تسألنَّ ابنَ آدم حاجـــــةً      وسلِ الذي أبـــوابه لا تُحجب

...لقد كان رحمه الله تلميذا مخلصا مقدرا لشيخه أحمد حماه الله، ولا يكاد يتخلف عن زيارته في كل سنة مسافرا من ولاتة إلى "انْيُورْ" في "مالي" مقر الشيخ. وقد تعطل في إحدى السنوات عن الذهاب فقال قصيدة نتأسف على أننا لا يحضرنا منها إلا بيت واحد هو مطلعها وشطر منها:

مولاي لما قضى ربي بإحجام  عن الزيارة لما زار أقوامي

.........................           فها أنا زائر بخـــط أقلامي

ويظن ابَّ بن انَّ، أن لوالده رحمهما الله نظما في ورد التيجانية. توفي رحمه الله سنة 1942 في ولاتة.

نقلا عن كتاب "ولاتة من الحاضر إلى الماضي"  (مرقون) ص 51-52 سداتي بن بابيه

/