من نشاطات المركز: مئوية الولاتي

الجلسة الثالثة:

كانت الجلسة الثالثة يوم السبت 22 ديسمبر 2012 من التاسعة صباحا إلى الواحدة بعد الزوال، برئاسة السيد محمد الأمين ولد مولاي ابراهيم الذي أطر في البداية موضوع الندوة وما تسعى إليه من إبراز إسهامات الفقيه العلمية في شتى الميادين. ثم أحال الكلمة للمحاضرين.

 المحاضرة الأولى: جهود محمد يحيى الولاتي في مجال الحديث ـ محمد السرار ( المغرب)، الذي حالت ظروف إدارية دون حضوره شخصيا، فقرأ محاضرته نيابة عنه الأستاذ محمد ولد الفقيه

 نبه الباحث إلى إهمال من سبقوه لدراسة مؤلفات الفقيه محمد يحيى الولاتي رحمه الله ولجهوده في مجال الحديث النبوي الشريف، مقتصرين على التركيز على مشاركته في العلوم، وعنايته بالتنظير الأصولي والتفريع الفقهي، وذكر فكره الإصلاحي وبعد أن عرض مصادر بحثه، قام بتتبع مظاهر اهتمام العلماء المغاربة بآثار الفقيه ودراستها وحفظها. لينتقل إلى بيان أوجه خدمته للحديث النبوي رواية ودراية خدمة ندرت في عصره، فألف كتابا مستقلا في مصطلح الحديث ابتدأه ولم يرتبط فيه بمؤلف سابق هو: "مهيع الرشد والصواب الموصل إلى مصطلح حديث النبي الأواب". وفي مجال دراسة معاني الحديث ومتونه بين أن الفقيه رحمه الله كان له جهد متميز، فعمَد إلى "صحيح البخاري" يشرح أحاديثه شرحين: شرحا كبيرا للصحيح نفسه بعنوان: "نور الحق الصبيح في شرح بعض أحاديث الجامع الصحيح" وشرحا آخر لمختصر ابن أبي جمرة للصحيح، سماه: "سلم الفقه والدراية على جمع النهاية". وأورد  الباحث أمثلة من بحث الفقيه رحمه الله في معاني الحديث بدراسة ثلاثة أحاديث مختلفة في العبادات والعقائد والمعاملات، ليختم موضوعه بخلاصات ركز فيها على ضرورة إبراز إسهام علماء المغرب الإسلامي في مجال الحديث وهو إسهام امتد قرونا  طويلة في دراسة علوم السنة و استنباط الأحكام  من متون الأحاديث الشريفة.

 

المحاضرة الثانية : الفقيه والمجتمع في المجال الصحراوي :  محمد يحيى الفقيه ومجتمع "ولاتة" نموذجا ـ عبد الودود ولد عبد الله

بدأ الباحث تأصيل موضوعه ببيان أن مدينة "ولاتة" كانت مهدا لحضارات متنوعة، وعرضة لتحولات جسيمة، كما يظهر من اختلاف تسميتها من مرحلة إلى أخرى: فهي "بيرو"في "العصر السوداني الغاني"، و"إيولاتن" في "العصر التكروري المسوفي"، وأخيرا "ولاتة" في "العصر الشنقيطي".

وتوقف عند "العصر الشنقيطي" ليبرز ما وقع للمدن التجارية فيه من خضوع للبدو المتغلبين على أحوازها، في جو من انعدام الأمن واختلال النظام المتفاقم بعد بروز التهديد الاستعماري، ويستعرض تباين مواقف  العلماء الشناقطة من أزمة المجتمع وتهديد الوافد الأجنبي، بين من يرى منهم ضرورة الحفاظ على الوضع القائم المهدد مهما كانت سلبياته، مفضلا "الظلم مع الإيمان" على "العدل مع الكفر الجلي" وبين من  يري في هذه النقمة نعمة وفرصة للإصلاح وإحياء الدين مادام النصارى لا يتعرضون له، مقابل الخضوع لهم في أمور السياسة.

ثم انتقل إلى تحديد ملامح مشروع الولاتي، مبرزا أنه تشكل في السياق الآنف الذكر، وكان هدفه  إصلاح المدينة سبيلا إلى إصلاح المجتمع عبر السعي إلى تصحيح المفاهيم الشرعية وصقلها مما لحق بها من رواسب الاستعمال العامي، ونقد شرعية المؤسسات المرجعية في المدن الصحراوية (رفض شرعية مؤسسة جماعة المدينة، والقضاء والإمامة المنبثقين عنها، وما ينجر عن ذلك من ممارسات اعتبرها جائرة: توريث الخطط الدينية، فرض المداراة، إلخ.). وبين كيف أن نقد الولاتي امتد إلى مفهوم "المدينة" نفسه بحيث لا يمكن اعتبارها قائمة شرعا بمجرد ارتفاع المباني والاكتظاظ بالقاطنين، بل لا بد من توفرها على جملة من المقومات السياسية (استتباب الأمن، وجود السلطان الشرعي أو الجماعة المتفقة المطاعة القائمة مقامه)والتنظيمية والاقتصادية (الأمن الغذائي، السوق).فبدون هذه  المقومات لا يمكن اعتبار التجمع السكاني مدينة، بل لا تجزئ صلاة الجمعة في مثل هذه القرية الظالم أهلها.

وخلص إلى أن الولاتي كان يسعى، فيما يبدو  عبر هذا النقد الجذري إلى إعادة تأسيس مجتمعه على قواعد راسخة عمادها العلم والتعلم. ففي غياب الإمام وانعدام الجماعة الشرعية القائمة مقامه، يتعين على العلماء التصدر للتوجيه، فيما يمكن اعتباره نمطا من "ولاية الفقيه" من منظور سنّي. ويتعين على المسلمين أن يستجيبوا لدعوة الفقهاء الرامية إلى إصلاح المجتمع وتجديد الدين وتحصين الكيان في مواجهة الوافد ضمن مشروع يمكن اعتباره ضربا من الإحيائية الممانعة.

المحاضرة الثالثة : مكانة أصول الفقه عند الولاتي ـ محمد يحيى ولد احريمو

 استهل الباحث محاضرته ببيان مكانة علم الأصول عند محمد يحيى تأليفا وممارسة. و حصر أسباب هذه المكانة في عوامل منها ما هو موضوعي يتعلق بأهمية علم الأصول من حيث هو أداة لاستنباط الأحكام ووسيلة لفهم مقاصد ودلالات النصوص الشرعية. وهو ما استشعره الفقيه في وقت مبكر. ومنها ما سماه الباحث عاملا ((جمعويا))، ورده إلى  شعور الولاتي  بمسؤوليته الخاصة تجاه المصلحة لعامة وتعين الاشتغال  بأصول الفقه عليه هو شخصيا لأهليته لذلك ولأن هذا العلم   الضروري لإقامة علوم الشريعة وتخريج النوازل والفتاوى أضاعه الناس في عصره وغفلوا  عنه.

ثم اتجه إلى ذكر مؤلفات الفقيه الدالة علي عنايته البالغة بهذا العلم وتميزه فيه، وعدها عشرة، تؤهله لأن يعد ضمن العلماء الموريتانيين الأكثر اهتماما بأصول الفقه وتأليفا فيها. وقدم المحاضر باقتضاب كل واحد من هذه المصنفات، مبرزا أوجه الجدة فيه. واعتبر تلخيصه كتاب أصول البزدوي في المذهب الحنفي دليلا على إدراكه لأهمية استلهام التجربة الحنفية في تخريج النوازل على مقتضيات الأصول.

وخلص الباحث إلى أن مؤلفات الولاتي تغطي كل المستويات العلمية  والمقاصد التي يهتم بها المؤلفون في علم الأصول  عبر سلم التدرج الطبيعي لطلبة المحاضر، وقدم أمثلة على ذلك، وبين كيف أن أسلوبه في تفكيك النصوص الأصولية المستعصية يثير إعجاب الطلاب والباحثين خصوصا شرحه على مراقي السعود وشرحه على مرتقى الوصول لابن عاصم.

وفي النهاية عمد الباحث إلى ذكر مسائل أبدع الولاتي فيها، معرجا على جمعه بين ((التصوف التيجاني)) و((السلفية المعتدلة))، ومؤكدا أن الرجل كان عالما متبصرا مطلعا على أدلة الفقه وأصوله لم ينس مع ذلك نصيبه من الفقه، باحثا دائما عن استثمار هذه القواعد و توظيفها في تخريج النوازل الفقهية موردا أمثلة من ذلك الاستثمار.

المحاضرة الرابعة : الولاتي وكتابه الناسخ والمنسوخ ـ شيخنا بشيري ولد انديده

 بدأ الباحث  بمقدمة تناول فيها أهمية القرآن الكريم وحفظه من التبديل والتغيير والزيادة والنقصان مصداقا لقوله تعالى: ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون))...

ثم انتقل إلى صلب موضوعه وقسمه إلى محورين، استعرض في الأول منهما  شخصية الفقيه العلمية وما امتازت به من قوة  وتعدد في المواهب وغزارة في العلم وسعة في الاطلاع وطول نفس في البحث والمناظرة. وتعرض في المحور الثاني لكتاب الناسخ والمنسوخ ومنهج وأسلوب الفقيه فيه  مبينا  قيمته العلمية  من خلال الأوجه التالية:

·       توخي المؤلف الدقة والأمانة العلمية، حيث لم ينقل رأيا إلا وعزاه لصاحبه.

·       البراعة في تلخيص ما ذكره بعض المحققين القدامى

·       الفوائد الجمة التي تضمنها الكتاب كمقدامات لعلم النسخ

المحاضرة الخامسة : محمد يحي الولاتي الإشعاع العلمي والتواصل الثقافي ـ عال ولد مروان

 تناول المحاضر السياق التاريخي والاجتماعي الذي كانت تعيشه المنطقة التي نشأ فيها الفقيه محمد يحيى الولاتي، وأثر ذلك في تشكيل شخصيته، قبل أن ينصرف إلى مراحل دراسته وتكوينه ونبوغه المبكر والمكانة العلمية السامقة التي وصل إليها، وذكر بعض أشياخه وتلاميذه، ووصف جدولة حياته اليومية ودلالة كل ذلك  في مسيرته وإنتاجه العلمي الغزير.

وتوقف عند رحلته إلى السودان ضمن الوفد الولاتي ودوره المؤثر في إعادة فتح طريق التموين إلى ولاته ومد جسور التواصل بينها وبينها مجالها الحيوي.  وفي هذا السياق استعرض الباحث محطات الرحلة الحجازية للولاتي وما تميزت به من عطاء علمي وتبادل ثقافي، وما أسست له من صلات علمية لا تزال آثارها ملموسة إلى اليوم.

وختم بذكر موقف الفقيه من التغلغل الاستعماري وجملة من آرائه الإصلاحية وما بذله من جهد في التصدي  للأعراف والعوائد التي لا تتوافق مع صحيح السنة

المحاضرة السادسة : المحطة التونسية في رحلة الولاتي ـ محمد الامين ولد سيد المختار

 

اعتبر الباحث محطة تونس من ألمع محطات رحلة العلامة محمد يحيى الولاتي الحجازية، وذلك انطلاقا من حيوية هذه المحطة وما ترتب عليها من آثار تمثلت في تأليف رسائل ومناظرات علمية. فقد نزل الفقيه  في زاوية الشيخ إبراهيم الرياحي فرحب به مقدمها سيد الطاهر بن سيد إبراهيم، واحتفى به علماء تونس وفضلاؤها وكان محل تقدير وإكرام من قبلهم. ورغم أن فترة إقامته في تونس لم تتجاوز ثمانين يوما، إلا أنها كانت حافلة بالعطاء العلمي، ألف فيها حسام العدل والإنصاف القاطع لكل مبتدع باتباع الأعراف، والرسالة الشنقيطية، وربع سينية الرياحي. 

كما ترجم له محمد باش طفجي الحنفي ترجمة متميزة،  ذكر فيها أنه انتفع من علمه الغزير في هذه مدة إقامته اليسيرة خلق كثير، كان هو من أبرزهم، حيث روى عنه ((الموطأ وصحيح البخاري والشفاء قراءة وعرضا ومناولة وبقية الصحاح الستة مناولة)) و كتب له  ((بخطه الشريف إجازة في جميع ما له سند فيه))، وأشاد  بما تميز به من " فصاحة اللسان وقوة الجِنان وتحسين العبارة والتأنق في الإشارة وبَداهة الجواب ومُصادفة الصواب واستحضار المسائل وإقامة الدلائل ولُطف الأخلاق وفتح الإغلاق وكثرة النقول مما يبهر العقول)). وأكد الباحث أن من آيات إعجاب التونسيين بالولاتي استمرارهم في متابعة أخباره إلى أن بلغتهم وفاته رحمه الله فرثاه الشيخ محمّد السنوسي بن الفقيه إبراهيم القابسي، قاضي مدينة قابس بقصيدة عصماء أورد الباحث بعض أبياتها.      يتواصل...