من نشاطات المركز: مئوية الولاتي

يطلق الموريتانيون على مدينة "والاتة" التاريخية اسم "بوابة الصحراء". يعود تاريخ المدينة التي تشبه الواحة إلى القرن الأول الميلادي. واكتسبت شهرتها في القرنين الثالث عشر والربع عشر، باعتبارها محطة تاريخية ولوجستية على طريق التجارة إلى أفريقيا عبر الصحراء، وكانت تسمى في الوثائق القديمة "ولاتن" أو "بيرو" أو "أيالاتن".

تقع والاتة في الطرف الشرقي من حوض أوكار جنوب شرق موريتانيا، تبعد والاتة عن العاصمة نواكشوط حوالي 1350 كيلومترا، إذ تقع على الحدود الموريتانية المالية جنوب شرقي البلاد، وتحديداً في الطرف الشرقي من حوض أوكار.
يعتقد المؤرخون، أن المدينة قد أنشأها أولا القبائل الرعوية الزراعية من أسلاف شعب "ماندي سونينكي" الذين عاشوا على طول النتوءات الصخرية من منحدرات تيشيت - ولاتة، وتاجانت في موريتانيا، والتي تواجه حوض أوكار. حيث شيدوا المدينة التي تعد من أقدم المستوطنات المبنية بالحجر في قارة أفريقيا في ذلك العصر.

شكلت المدينة أولاً جزءاً من إمبراطورية غانا، ونمت بثراء عبر التجارة، وفي بداية القرن الثالث عشر، تطورت لتصبح مركزاً تجارياً ودينياً مهماً. وبحلول القرن الرابع عشر، أصبحت المدينة المزدهرة جزءاً من إمبراطورية مالي. وهي حتى الآن محورٌ للعديد من القصص التي يتناقلها الموريتانيون حول المتصوفة والأولياء الصالحين.

وجد الرحالة المغربي ابن بطوطة، أن سكان والاتة كانوا من المسلمين، وبخاصة ماسوفا وهي جزء من صنهاجة، وأبدى الرجل دهشته الكبيرة من الاحترام والاستقلالية التي تتمتع بها النساء هناك. وقد أعطى وصفا للمدينة قال فيه: "أقمت بالمدينة حوالي خمسين يوماً، ولاقيت التشريف والترحاب من سكانها، وهي في العموم مكان شديد الحرارة، ويزهو بعدد قليل من أشجار النخيل، وفي ظلال النخيل يزرع البطيخ، ويأتي ماء الزراعة من المياه الجوفية القريبة من هذه المنطقة، ويوجد الكثير من لحم الضأن الذي يمكن الحصول عليه".

بدءاً من النصف الثاني من القرن الرابع عشر بدأت مدينة تمبكتو تحلّ تدريجيّاً محل والاتة كمحطة جنوبية على الطريق العابر للصحراء، وتقلصت أهمية والاتة. ويقول الدبلوماسي والمؤلف والرحالة البربري، ليو أفريكانوس، والذي زار المنطقة في عامي 1509-1510 واصفاً حال المدينة في تلك الفترة في كتابه "وصف أفريقيا": "مملكة والاتة هي مملكة صغيرة وحالتها متوسطة بالمقارنة بالممالك السوداء الأخرى، في الواقع الأماكن المأهولة الوحيدة فيها هي ثلاث قرى كبيرة وبعض الأكواخ التي تنتشر حول بساتين النخيل وفيما بينها".
المدينة القديمة حالياً تبلغ مساحتها حوالي 600 متر في 300 متر وبعضها أطلال. المباني الحجرية مُزيّنة بأشكال هندسية ويقع المسجد على الحافة الشرقية للمدينة. واليوم، أصبحت والاتة مَوطناً لمتحف المخطوطات، بالإضافة لشهرتها بالهندسة المعمارية الزخرفية. وقد أعلنتها اليونسكو في عام 1996 موقعاً للتراث العالمي مع ودان وشنقيط وتيشيت.

محمد كريم

نقلا عن العربي الجديد