من نشاطات المركز: مئوية الولاتي

نواصل هنا ـ إن شاء الله تعالى ـ  في حلقات مسلسلة، نشر قطوف
من شرح الفقيه محمد يحيى الولاتي لبعض أحاديث البخاري الموسوم:
،"نور الحق الصبيح في شرح بعض أحاديث الجامع الصحيح".
 
 
تنبيه: نلون بالأحمر الإضافات التي ينسبها الفقيه إلى نفسه بقوله: قلت

نص الحديث:

باب قِيَامُ لَيْلَةِ اَلْقَدْرِ مِنَ الإيمانِ

26- حدثنا أَبُو اليمان قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الزنادِ عَنِ الأعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

الشــرح

(بابٌ) بالتنوين (قيام ليلة القدر من الإيمان) أي هذا باب في بيان أن قيام ليلة القدر من شعب الإيمان.

(أخبرنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يقم ليلة القدر) أي من عبَدَ الله بالقيام أي بالصلاة في ليلة القدر (إيماناً) أي حال كونه مصدقاً بما في قيامها من الثواب (واحتسابًا) أي ومحتسباً ذلك عند الله لكون قيامه خالصاً من الرياء والأغراض الفاسدة (غفر له ما تقدم من ذنبه) وما تأخر أي غفرت له ذنوبه كلها التي بينه وبين الله، وأما حقوق العباد فالإجماع قائم على أنها لا تغفر إلا برضاهم.

قال القسطلاني "وفي الحديث دلالة على جعل الأعمال إيماناً لأنه جعل القيام إيماناً وليلة القدر مفعول به ل"يقم" لا فيه" أ.هـ.

(قلت): وهذا ليس بصواب، بل الصواب أن الإيمان ليس هو نفس القيام، وإن الإيمان مصدر مؤول بالحال، وكذا الاحتساب. والتقدير: من يقم ليلة القدر حال كونه مؤمناً بما في قيامها من الثواب ومحتسباً قيامه عند الله غفر له إلخ...

 وقوله "ليلةَ" مفعول فيه، لا به، لأن القيام لم يقع على الليلة بل وقع فيها، ولأنه لا يشترط استغراق القيام لها بل من قام في بعضها ولو بركعتين حصل له قيام ليلة القدر واستحق الغفران الموعود به عليه كما سيأتي.

ولو كانت "ليلة" مفعولاً به ل"يقم" كان قيام ليلة القدر لا يحصل إلا باستغراق جميع الليلة وذلك غير مطلوب اتفاقا.

ثم قال القسطلاني: "وإنما عبر صلى الله عليه وسلم في قيام ليلة القدر بالمضارع وعبر في قيام رمضان وصيامه بالماضي كما سيأتي قريباً، لأن قيام رمضان وصيامه محققَا الوقوع،  فجاء بلفظ يدل على التحقيق. وقيام ليلة القدر غير محقق لأنها مجهولة، قاله الكرماني وقال غيره: وإنما استعمل لفظ الماضي في الجزاء مع أن المغفرة في المستقبل إشارة إلى تحقيق وقوعهـ.

قال ابن أبي جمرة رضي الله تعالى عنه ونفعنا به في بهجة النفوس "الحديث يدل على فضلية ليلة القدر والمراد بقيامها قيام آخرها بعد النوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ به واستقر عمله عليه. وأقل ما يجزي من قيامها ركعتان وأعلاه ثلاث عشرة ركعة. وقيامها أفضل من مجموع عبادة ألف شهر لقوله تعالى: )ليلة القدر خير من ألف شهر(.

وفرائضها أفضل من فرائض ليالي ألف شهر.

 وقي قوله صلى الله عليه وسلم من يقم دليل على أن المطلوب في ليلة القدر هو الصلاة وأن غيرها من أفعال البر لا يحصل به هذا الفضل.  

وسميت ليلة القدر لعظم قدرها عند الله لأنها أنزل فيها القرآن إلى سماء الدنيا فجعل في بيت العزة ثم نزل منجما. وقيل سميت ليلة القدر لأن الله عز وجل يقدر فيها ما يكون في السنة أي يبرزه للملائكة.

وفي قوله صلى الله عليه وسلم: إيماناً واحتساباً دليل على أن استصحاب الإيمان في جزئيات الأعمال مطلوب فقيل على الوجوب وقيل على الندب.

 وفيه دليل على أن استصحاب الإيمان يزيد فيه.

وفيه دليل على أن من لم ينو قيام هذه الليلة لم يحصل له الثواب المذكور، وإن قامها لأنه صلى الله عليه وسلم شرط في حصوله أن يكون قيامها إيماناً واحتساباً، وذلك لا يتأتى حتى ينوى.

 وفيه دليل على أن الإيمان هو أعلى الأعمال.

 والصحيح إن ليلة القدر باقية وأنها تدور في ليالي السنة،  اللهم اجعلنا ممن غفرت له بلا محنة إنك كريم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

(قلت): ووجه المناسبة بين الحديث والترجمة من حيث إنه صلى الله عليه وسلم شرط في ترتب الغفران على قيام ليلة القدر أن يكون قائمها قامها إيماناً واحتساباً أي مؤمناً ومحتسباً، فدل ذلك على أن قيامها من شعب الإيمان أي من طرقه لأنه شرط فيه الإيمان كسائر الشعب.