من نشاطات المركز: مئوية الولاتي

يقول الشاعر محمد الأمين بن سيد ابَّ:

                      ولاتَ تنادي بالغياث ولا يـُـرى***  لنصرتها زيدٌ يقومُ  ولا عمرُو

 

إنه لمن الصعب اختيار موضوع ثقافي عن ولاته وتراثها فالكنز مطمور ولكنه غني بالنفائس، فالعلماء العاملون مروا من هناك وتركوا مكتبة غنية في شتى المجالات من أصول وفقه وحديث وتصوف وأدب،وللمدينة تاريخ حافل بالأحداث أيام كانت عاصمة إقليمية تشد إليها رحال قوافل التجارة ووفود طلبة العلم .

هذه المدينة بأزقتها وبنائها القديم المنسجم مع محيطه، وزخارفها التي بزت كبريات المدن، كلها مواضيع تستحق اهتمام الباحثين.

أما المجتمع الولاتي بعاداته اليومية وحضارته الراقية وأخلاقه العريقة فهو جدير بالدراسة والاهتمام لفهمه وذلك للإشادة بإرث مدينة عالمة والاحتفال بذكر أسلاف هم أهل لأن يفتخر بهم.

هذاوإن كان لابد من الاختيار، فليكن موضوعا جامعا هدفه الحث على وجوب الالتفاته إلى برنامج ولاته.لقد كان بوسعنا أن نركز على فهرسة عالم من علماء ولاته لأن المسيرة  العلمية والإسهامات المعرفية لكل واحد منهم جديرة بالدراسة والبحث غير أنا وجدنا أن المدرسة الولاتية تشكل كلا منسجما على مر العصور أخذت شتى أنواع العلوم وبثتها فجاءت مساهمتها كثيرة وعالية الجودة،ولن نذهب إلى العصور الأوائل وفتح المدينة على يد جيش عقبة ابن نافع أوإعمارهابعد مجيئ يحيى الكامل فتلك فترات مازالت تحتاج إلى كثير من البحث والمراجع التاريخية.

سنقتصر فقط على بعض ملامح آثار أهل القرن الحادي عشر فمابعده،وسنعرض أولا برامج المحظرة الولاتية وإسهامات شيوخها في أهم الميادين، وبعد ذلك سنحاول أن نعرض باختصار أهم الروافد التي نفترض أنها أثرت في الثقافة الولاتية وهي الحراك الصوفي، والرحلات إلى الحج، والموقع الجغرافي، والتراث الاندلسي.

برامج وإسهامات

برامج المدرسة الولاتية وإسهاماتها بحر لا ساحل له عز أن تحيط به عجالة فحسبنا أن نعطي عنه فكرة تشوق القارئ والباحث إلى المضي قدما في غوص اللجة والبحث عن المكنون والصدف وسنتناول تباعا نبذة مختصرة عن : التوحيد والعقيدة وعلم الكلام، والفقه ومتونه، وعلوم القرآن، والحديث والسيرة النبوية، واللغة والادب، وعلم الاصول، وعلم القضاء، وعلوم أخرى شتى.

1ـ1 التوحيد والعقيدة وعلم الكلام

لقد كان لمؤلفات الامام محمد بن يوسف السنوسي التلمساني (ت895 هجرية)انتشار واسع في ولاته على مر العصور خاصة "العقيدة الكبرى و"العقيدة الوسطى و"العقيدة الصغرى" (أم البراهين)، و"صغرى الصغرىو"منظومة الجزائري" كما كانت هناك"إضاءة الدجنة في اعتقاد اهل السنة" لأبي العباس المقري (ت1041 هجرية)، و"دليل القائد في العقائد" لمحمد صالح الأوجلي .

جميع هذه الكتب كانت تقرأ قراءة بحث وتحقيق على الطالب ألمين بن الطالب الحبيب الحرشي (ت1166 هجرية)وعلى غيرة من الشيوخ ، فمن شراح "صغرى السنوسي" الطالب محمد بن الطالب بوبكر الصديق البرتلي (ت1219 هجرية)،وممن شرح"إضاءة الدجنة"للمقريمحمد عبد الله بن الطالب أحمد البرتلي (ت1263 هجرية) ،وأعمر الولي بن الشيخ محمد عبد الله المحجوبي (ت1137 هجرية) ،وسيدي محمد بن احمد الاسود والمحجوب بن محمد المحجوبي (ت1224 هجرية)، والشيخ محمد الامين بن الطالب عبد الوهاب الفلالي (ت1254 هجرية) في كتابه "التنزيه والكفاية"، ومحمد عبد الله بن أنبوي المحجوبي (القرن 13 هجري) .وقد شرح محمد يحيى بن سليمه (ت1354 هجرية) "منظومة العقائد الشرنوبية" لصاحبها عبد المجيد بن ابراهيم الشرنوبي المالكي الأزهري (كان حيا سنة 1340 هجرية).

وفي علم الكلام يقول البرتلي إن الحاج أحمد بن أند عبد الله المحجوبي(ت1140 هجرية) "ألف عقيدة منظومة في علم الكلام".

2 ـ1 الفقه ومتونه

بعد الأخضري وابن عاشر "نظم المرشد المعين"و"رسالة ابن أبي زيد القيرواني"، يدرس الطلاب "مختصر خليل"وهذه عادة المنطقة كلها حتى أن أحمد بابا التنبكتي قال"نحن أناس خليليون إن ضل ضللنا"[1]،فلقد كان مختصر الشيخ خليل العمود الفقري للدراسات الفقهيةولذا فقد اختصر وشرح ونظم.

يورد العلامة المرحوم المختار ولد حامدن في كتابه "موريتانيا ـ الحياة الثقافية"[2] لائحة مطولة لشروح بعض المتون المتداولة وتفاديا للإطالة نورد هنا بعض الشروح لأهل منطقة ولاتة، فعلى الأخضري شرح محمد يحيى بن سليمة اليونسي (ت1354 هجرية) نظما على عبادات الأخضري، ونجد عدة شراح لرسالة ابنأبي زيد القيرواني منهم الطالب احمد البرتلي (ت1208 هجرية) وله "مرشد الطالبين"، والطالب محمد البرتلي (ت1219 هجرية)، وسيد عثمان بن اعمر اليونسي (ت 1237 هجرية) وله "باكورة مذهب مالك" و"مغني التلامذة"، وسيدأحمد بن بوكفة المحجوبي (ت1240 هجرية) ، ومحمد عبد الله بن الطالب أحمد البرتلي (ت1263 هجرية).

وقد شرح نظم الرسالة لعبد الله بن الحاج حماه الله الغلاوي (ت1205 هجرية) كل من الشيخ محمد الامين بن الطالب عبد الوهاب الفلالي (ت1254 هجرية) ومحمد يحيى بن سليمة اليونسي.

أما مختصر الشيخ خليل فقد شرحه الطالب بوبكر بن محمد بن الحاج احمد المحجوبي (ت1208 هجرية) ووصل فيه إلى باب الحج،والطالب محمد بن محمد راره (ت1210 هجرية) ، والكصري الإديلبي (ت1235 هجرية) صاحب"فيض الجليل" ، وعبد المالك بن النفاع الداودي (ت1252 هجرية) الذي شرح من باب الزكاة إلى النهاية ،والسيخ محمد الامين بن الطالب عبد الوهاب الفلالي مؤلف "فتح الجليل".

وهناك من النظم "فتح الجليل بنظم خليل" لمحمد يحيى بن سليمة اليونسي وشرحه "عون الله الجليل".

ومن العلماء من ناقشوا الشيخ خليل في بعض المسائل،وذلك رغم مقولة العالم أحمد بابا التنبكتي (نحن خليليون) ، ومنهم القاضي سنبير الأرواني(ت1180 هجرية) صاحب "فتح الرب اللطيف في تخريج مافي المختصر من الضعيف" الذي علق عليه بدوره محمد عبد الله بن أندوضه المحجوبي (ت1220 هجرية) في مؤلفه "التوفير لما أهمل القاضي سنبير".

ولقد كثرت عندهم دراسة "المنتخب في قواعد المذهب المالكي" المعروف"بالزقاق" لعلي بن قاسم بن محمد التجيبي(ت912 هجرية) وعليه شروح لبعض العلماء منهم الطالب عبد الله بن الحاج محمد الرقيق العلوشي (ت 1220 هجرية) وكذا محمد يحيى بن سليمة، وإلى جانب "المنهج" يدرسون "تكميل المنهج" لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الفاسي المعروف ب"ميارة"(ت1072 هجرية)وقد شرحه محمد يحيى الولاتي (ت1330 هجرية)  في كتابه "البحر الطامي ذو اللجج".

3ـ1 علوم القرآن

تعرف منطقة الحوض الشرقي على أنها من أهم المراكز في حفظ القرآن ودراسته ولولاتة دور ريادي في هذا المجال.

لقد كان طلاب الحوض يدرسوننظم ابن بري(ت731 هجرية) "الدرر اللوامع في أصل مقرئ الامام نافع" وشرحه "تحصيل المنافع على الدرر اللوامع" ليحيى بن سعيد السملالي الشنقيطي وكانوا يقرأون "حرز الاماني ووجه التهاني"في القراءات السبع المعروف ب"الشاطبية" للإمام القاسم بن فيرة بن خلف الشاطبي الرعيني (ت590 هجرية) و"المقدمة الجزرية" للمقرئ ابن الجزري (ت 833 هجرية).

فأما القصيدة اللامية المعروفة بالشاطبية لصاحبها أبي القاسم الشاطبي الرعيني فهي طويلة (1173 بيتا) ومطلعها:

بدأت ببسم الله في النظم أولا      تبارك رحمانا رحيما وموئلا

وهي مختصر لكتاب "التيسير في القراءات السبع" لأبي عمرو الداني (ت 444 هجرية) .

وأما المقدمة الجزرية لابن الجزري (ت 833 هجرية) فهي تعلم مخارج الحروف والتجويد والوقف ورسم المصحف.

وهنالك أيضا من المراجع المتداولة "رسالة الرجراجي الشوشاي" (ت 899 هجرية)ونظمه في القراءات .

وقد أعطى هذا الاهتمام بالقرآن وعلومه ثمارا طيبة تجلت في الإسهامات الكبيرة التي تخطت مدينة ولاته إلى إقليمها يقول البرتلي: "قرأ الطالب البشير الاديلبي (ت1197 هجرية) بالسبع على الشيخ العالم المقرئ الطالب عمر بن محمد بن بوه الاديلبي وكان يحصل الشاطبية حفظا مستحضرا لها يستشهد بها"[3] .

وللطالب عبد الله بن الحاج محمد الرقيق العلوشي كتاب سماه "البدر الساطع" وهوشرح لمنظومة الطالب عبد الله الجكني "المحتوى الجامع لرسم الصحابة وضبط التابع".

وقد أدركنا في القرن الرابع عشر عدة مؤلفات في علوم القرآن منتشرة في أرجاء الحوض الشرقي منها :

ـ  "القول السديد في علوم التجويد" ، للشيخ محمد أحمد بن إلياس الجماني (ت 1359 هجرية)؛

ـ  و"كتاب الإرداف" لسيد محمد بن أحمد معلوم السباعي (القرن الرابع عشر)؛

ـ  و"شرح نظم عبد الرحمان بن الإمام الغلاوي في القراء" لمحمد المختار بن محمد يحيى الولاتي (ت1352 هجرية).

وقد شهدت الساحة الثقافية منذ القدم نقاشا بين أنصار قراءة القرآن بالجيم المنعقدة والذين يحبذون قراءته بالجيم غير المنعقدة، وكان يتزعم التيار الأول سيد عبد الله بن سيد ببكر التنواجيوي الذي أخذ من سجلماسة إجازة بالجيم المنعقدة.

وليست القراءات وحدها محل اهتمام القوم فقد اعتنوا كثيرا بمعرفة الناسخ والمنسوخ ونجد على ذلك منظومات منها:

ـ  منظومة في الناسخ والمنسوخ للشيخ محمد محمود بن بيه المسومي (ت 1316 هجرية) ؛

ـ  ومنظومة في الناسخ والمنسوخ لمحمد يحيى الولاتي مع شرحها ؛

ـ  ومنظومة محمد يحيى بن سليمة في الناسخ والمنسوخ.

4 ـ1 علوم الحديث والسيرة النبوية

كان من أشيع الكتب بينهم، كتب الصحاح وخاصة "صحيح البخاري" ، و"الجامع الصغير من حديث البشير النذير"يحفظونه عن ظهر قلب، وألفية جلال الدين السيوطي (ت911 هجرية) في علم الحديث.

كما كانت هنالك إسهامات بارزة في الحديث والسيرة النبوية، فمن مؤلفاتهم في الحديث:

ـ "نور الحق الصبيح" لمحمد يحيى الولاتي، في شرح بعض أحاديث الجامع الصحيح، وشرح اختصار ابن أبي جمرة( ت695أو 699هجرية) للبخاري، وله أيضا "مهيع الرشد والصواب " ولحفيده محمد عبد الله بن محمد المختار "منظومة المؤلفين في مصطلح الحديث"، وهناك اختصار لصحيح البخاري لمحمد يحيى بن سليمة، كما ألف اختصارا للموطإ المطول واختصارا للموطإ الموجز.

ومن الإسهامات في السيرة النبوية:

ـ نظم أسماء النبي صلى الله عليه وسلم للحاج أحمد بن أند عبد الله المحجوبي (ت 1140 هجرية)؛

ـ و"ديوان السعادة في مدح صاحب السيادة" لمؤلفه أنبوي أعمر المحجوبي ( ت 1260 هجرية)؛

ـ و"كتاب اللفائف" في الحديث والسيرة النبوية لأبي بكر بن محمد اسر المحجوبي (ت 1261 هجرية).

5-1 اللغة والادب

لقد اهتمت المدرسة الولاتية بدراسة اللغة والأدب فكانوا يحفظون المعلقات والمقامات فمثلا كان القاضي سيدي أحمد الولي المحجوبي (المتوفى 1034 هجرية)يحفظ مقامات الحريري عن ظهر قلب.

وكان الاساتذة يكثرون من إيراد الشعر كشاهد ومثال في الدرس النحوي، وكان طلاب النحو يبدأون ب "مقدمة ابن آجروم" -وهو من تلاميذ محمد بن يوسف الغرناطي-

فممن ألف في شرح الأجرومية : أند عبد الله بن سيد أحمد المحجوبي (ت 937 هجرية)، وأحمد الجيد البرتلي الولاتي (ت 1218 هجرية)، وسيد عثمان بن أعمر اليونسي (ت 1227 هجرية) ومحمد يحيىى الولاتي الذي نظمها وشرح نظمه لها.

وقد نظم الآجرومية سيدي عيسى بن أحمادو الجعفري الولاتي ومحمد يحيى بن سليمه اليونسي.

وبعد الآجرومية، يدرسون ألفية محمد ابن مالك ويتعمقون فيها بدراسة "شرح المكودي" (ت 807 هجرية).

وقد شرح الألفية، المرواني بن الطالب عبد الله النفاع الداودي(ت 1229 هجرية)، وأنبوي أعمر المحجوبي (ت 1260 هجرية) صاحب "عدة السالك"،ومحمد يحيى بن سليمة.

أما "لامية الأفعال" لابن مالك فهي جزء أساسي من دراسة الصرف وقد شرحها أحمد الجيد البرتلي في كتابه "بزوغ الهلال على لامية الأفعال"، وشرحها المرواني بن أحمادو الداودي الولاتي (ت 1368 هجرية).

ومن الطلاب من يدرس "منظومة التصريف" للعلامة محمد يحيى الولاتي ومنهم من يدرس شرح "بحرق" المسمى "فتح الأقفال"، ومنهم من يدرس "ملحة الإعراب"للحريري، أو"الفريدة " للسيوطي.

وقد وضع سيد محمد بن علي بن الطالب بوبكر المحجوبي (ت 1137 هجرية) شرحا ل"الفريدة" في النحو لجلال الدين السيوطي، كما شرحها محمد يحيى الولاتي في كتابه "المواهب التليدة في حل ألفاظ الفريدة"، وكانوا يعكفون على دراسة المقصور والممدود.

أما الشعر فكانوا يكثرون من دراسة المعلقات وكل ما قيل في المديح النبوي، ومن ذلك:

ـ ديوان محمد عبد الله ولد أنبوي المحجوبي، وأول قصائده المرتبة حسب الحروف الهجائية مطلعها :

الشعر يعرف فضله الشعراء*** ويطيل قامة شخصه الأمراء

وكانوا يتداولون بشكل واسع شروح "مقصورة ابن دريد"و"اليوسية"، فمقصورة ابن دريد للأزدي القحطاني (ت 321 هجرية) - أو "المقصورة الدريدية" - مطلعها:

           ياطيبة أشبه شيئ بالمها  **** ترعى الخزامى بين أشجار النقا

وأما اليوسية التي أنشدها اليوسي في مدح شيخه محمد بن ناصر فقد شاعت عن طريق الصوفية ومطلعها:

             عرج بمنعرج الهضاب الوُرَّد ***     بين اللصاب وبين ذات الأرمد

ويدرسون "لامية العرب"، و"لامية العجم" لابن عبد الصمد الأصبهاني المعروف بالطغرائي (ت505 هجرية) ومطلعها:

                 أصالة الرأي صانتني عن الخطل ***    وحلية الفضل زانتني لدى العطل

وفي البلاغة ألف محمد يحيى بن سليمه كتاب "أنوار الجمان ومفاتيح اللسان" في شرح "عقود الجمان" للسيوطي .

وفي علم البيان ألف محمد يحيى الولاتي في شرح "منظومة عبد الله بن الحاج حماه الله الغلاوي" (ت 1209 هجرية) على قسم البيان من نقاية السيوطي .

6 ـ 1  علم الاصول

لم تشغلهم الفروع عن الأصول  وكان للمدرسة الولاتية الإسهام البارز على يد العلامة محمد يحيى الولاتي.

كانوا يبدؤون بدراسة "ورقات إمام الحرمين" وممن شرحها صالح بن عبد الوهاب الناصري (ت1272 هجرية) ، وللشيخ سيد محمد بن الشيخ سيد المحتار الكنتي (ت 1244هجرية) نظم لها شرحه العلامة محمد يحيى الولاتي، كما شرح "مرتقى الوصول" لابن عاصم ، وله أيضا "فتح الودود على شرح مراقي السعود" واختصر كتاب البزدوي في الأصول.

كما ألف محمد يحيىى بن سليمه في الأصول كتابه "تيسير الصعود" واختصر كتاب "مراقي السعود" في منظومة سماها "التهذيب".

7 ـ 1 علم القضاء

لقد حظيت "تحفة الحكام في نكت العقود والاحكام" لابي عاصم الغرناطي(ت 829 هجرية)المسماة ب"العاصمية" ـ وهي في علم الوثائق والإبرام والقضاء ـ بالعناية الفائقة في البرامج الولاتية.  وممن كان يعلمها في القرن الثاني عشر الفقيه حسن ولد الطالب أحمد البرتلي (ت 1128 هجرية)، وكانت شروحها متداولة مثل"التاودي"و"التسولي"، وممن شرح تحفة الحكام محمد بن عبد الله بن اندوض المحجوبي (ت 1288 هجرية) والطالب بوبكر بن أحمد المصطفى المحجوبي (ت 1335 هجرية).

وإلى جانب تحفة الحكام ، كانت "لامية الزقاق" في القضاء وشروحها من المراجع المقررة في المحظرة الولاتية. فممن كان يعلمها الطالب البشير بن الحاج الهادي الإديلبي(ت 1197 هجرية)، وقد عكفوا على شرح لامية الزقاق فنجد عليها "فك الوثائق عن لامية الزقاق" للعالم أند عبد الله بن أحمد بن أند عبد الله المحجوبي(ت 1172 هجرية) وشرحا للطالب أحمد بن أبي بكر بن الحاج عبد الرحمن البرتلي(ت 1208 هجرية) .

ومن البديهي أن هذه الثقافة الفقهية المتميزة لابد أن تنتج فتاوى تستحق لوحدها بحوثا معمقة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

ـ أجوبة سيد محمد بن علي بن الطالب بوبكر المحجوبي(ت 1137 هجرية)؛

ـ مجموع الفتاوي لمحمد بن الطالب عبد الرحمن المحجوبي (ت 1212 هجرية)؛

ـ نوازل عثمان الكبير بن الحاج أعمر اليونسي (ت 1227 هجرية)؛

ـ نوازل الكصريالإديلبي (ت 1235 هجرية)؛

ـ أجوبة أنبوي المحجوبي (ت 1260 هجرية)؛

ـو مجموع الفتاوي لأنبوي عبد الرحمن المحجوبي (ت1277 هجرية).

-8 ـ1 علوم شتى

نذكر في هذا الباب بعض المؤلفات في المنطق والحساب وإن لم تكن متداولة على نطاق واسع.

ففي المنطق ألف أنبوي أعمر بن الإمام المحجوبي (ت1260 هجرية) تعليقا على "منظومة السلم المرونق" لعبد الرحمن الأخضري الجزائري(ت 983 هجرية)، وله "نزهة الالباب" في علم الحساب العددي.

وممن ألف أيضا في الحساب الطالب محمد بن الطالب اعمر الخطاط الولاتي (ت 1165 هجرية) الذي ألف ايضا في شرح باب التربيع من "نظم السراج" في علم الفلك للأخضري  ولمحمد يحيى بن سليمه اليونسي منظومة في الحساب.

أما في التاريخ فإسهام "حوليات ولاتة" معروف، وهنا يمكن أن نضيف أيضا مساهمة عالمين تربطهما علاقات وثيقة بولاتة:

ـ كتاب "الحسوة البيسانية في علم الأنساب الحسانية"  لمؤلفه صالح بن عبد الوهاب الناصري(ت 1272 هجرية)؛

ـ و"تحفة الظرفاء في أسماء الملوك والخلفاء" لمؤلفه الشريف جعفر بن المهدي النعماوي (ت 1311 هجرية).

2 . روافد الثقافة الولاتية

نفترض هنا أن أهم الروافد التي أثرت في الثقافة الولاتية هيالحراك الصوفي، والرحلات إلى الحج، والموقع الجغرافي، والتراث الاندلسي.

2 ـ 1 الحراك الصوفي :

لقد كان للتصوف أثر كبير في تكوين الثقافة الولاتية غير أنه تصوف سني معتدل يتجلى في حب النبي صلى الله عليه وسلم والتشبث بأخلاق الصالحين من ورع وتقوى.

فهم أشعريون وتصوفهم على طريقة الجنيد السالك ومعتمدهم فيه كتب الغزالي (ت 505 هجرية)، وابن عطاء الله (ت 709 هجرية)،والشيخ زروق (ت 899 هجرية)، و"القطب الرباني" عبد الوهاب الشعراني (ت 973 هجرية).

ولهم برنامج في إحياء رمضان بالعبادة، يواظبون فيه على قراءة "الشفا بتعريف المصطفى" للقاضي عياض، وفيه ما يجب للنبي صلى الله عليه وسلم "من توقير وإكرام، وما حكم من لم يوف واجب عظيم ذلك القدر أو قصر في حق مقامه الجليل قلامة ظفر"، مع أمثلة من سيرة الائمة والسلف الصالح.

وهناك كتب العبادة المنتشرة بين العامة مثل "دلائل الخيرات و شوارق  الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار" للإمام الجزولي (ت 870 هجرية)، و"نفح الطيب في الصلاة على النبي الحبيب" للشيخ سيد المختار الكنتي (ت 1224 هجرية).

وكانوا يكثرون من قراءة قصائد المديح النبوي بمناسبة المولد الشريف ،فتقرأ "البردة" للإمام شرف الدين البوصيري، و"الشقراطيسية" لعبد الله بن يحيى الشقراطيسي التوزري (ت466 هجرية) ومطلعها:

الحمد لله منا باعث الرسل        هدى بأحمد منا أحمد السبل

وقد شرح أعمر أنبوي المحجوبي (ت1260 هجرية) قصيدة البوصيري التي مطلعها:

              كتب المشيب بأبيض في أسود ***   بغضاء ما بيني وبين الخرد

وكانوا يدرسون "البردة" للبوصيري (ت 608 هجرية) التي مطلعها:

            أمن تذكر جيران بذي سلم  ***   مزجت دمعا جرى من مقلة بدم

وهمزيته التي مطلعها:

            كيف ترقى رقيك الأنبياء  ***    يا سماء ما طاولتها سماء

و"المنفرجة" لابن النحوي التوزري (ت 513 هجرية) التي مطلعها :

             اشتدي ازمة تنفرجي   ***        قد آذن ليلك بالبلج

وقد شاعت هذه القصيدة حتى استعمل شطر البيت الاول منها كمثل في اللهجة العامية.

كما كانوا يكثرون من كتب الترغيب والترهيب خاصة:

ـ "كتاب العلوم الفاخرة في النظر في أمور الآخرة" لسيدي عبد الرحمن الثعالبي الجعفري (ت 875 هجرية)؛

ـ و"تنبيه الغافلين" للفقيه الحنفي أبي الليث السمرقندي(ت377 هجرية)؛

ـ و"شرح الصدور في أحوال الموتى والقبور" للسيوطي؛

ـ و"تنبيه المغتربين في القرن العاشر على ما خالفوا فيه سلفهم الطاهر"للشعراني.

فمن عباد المدرسة الولاتية الذين تركوا بصماتهم عمر الولي بن الشيخ محمد عبد الله المحجوبي (ت 1070 هجرية) يقول عنهالبرتلي"لكل بلدة تاج وتاج بلدتنا عمر الولي" ومن دعائه المأثور"اللهم إن كنت بلغت أحدا من خلقك درجة بالبلاء فبلغنيها بالعافية"[4]

فلقد كان رحمه الله بحق "من رجال الكمال وأعلام الصوفية والكرامات الظاهرة والاخلاق الطاهرة له حظ وافر من العلم والصلاح، جمع مابين العلم والزهد والورع والايثار"[5].

ومنهم الولي الصالح عبد الله المكي (كان حيا 1150هجرية) ، كان عبدا صالحا رحيما بالمؤمنين يتزوج باليتيمات والفقيرات ليعيلهن ويأكل من عمل يده ومن حرثه، رحيما حتى بالحيوانات "وربما أمسك الصبيان ذئبا فيشتريه منهم ويطلقه"[6].

ومن عباد الله الصالحين أيضا الخضر بن الفقيه محمد الجماني(توفي غير بعيد من 1155 هجرية) بكاء من خشية الله محب للرسول ومشتغل بإنشاء ديوان الوسائل المتقبلة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم لأبي زيد بن أحمد الفازازي (ت 627 هجرية) الاندلسي وتخميسه للإمام أبي بكر محمد بن المهيب وهو الديوان المعروف اختصارا بابن مهيب الذي كانت جداتنا تتغنين به في المولد النبوي الشريف ومنه تبركا به :

                      خليلي عوجا بالمحصب وانزلا  ***ولا تبغيا عن خيفه متحولا

                فأكرم به مغنى تحراه منزلا *** أحق عباد الله بالمجد والعلا

        نبي له أعلى الجنان مبوأ.

وكان الفقيه الطالب الامين بن الطالب الحبيب (ت 1166 هجرية)عالما صوفيا يدرس "حكم ابن عطاء الله" وقد أخذ المصافحة عن شيخه سيدي محمد بن موسى بن إيجل الزيدي .

ومن االصوفية أيضا الطالب محمد بن أبي بكر المحجوبي (ت1191 هجرية) عالم عامل يقابل بالحسنة السيئة ويقول عن الوصول : "عبارة عن نوع من اليقين كأنه يقوم مقام المعاينة ،يستغني صاحبه عن الدلائل والبراهين"[7].

ومن عباد الله الصالحين في الاقليم الطالب أحمد ولد محمد رار التنواجيوي(ت 1210 هجرية) الذي كان عابدا صالحا زاهدا تقيا ذا خلق  حسن وصاحب إنفاق في سبيل الله وكان لا يقيم بأرض جدباء خوفا من حق البهائم ، ويكفيه شرفا أنه أستاذ الشيخ محمد الامين ولد الطالب عبد الوهاب الفلالي[8] .

دأب أهل ولاته على أنهم "يختمون تخميس العشرينيات لابن مهيب في العام مرتين سوى ختمات المولود ورمضان وهي عادتهم في المدح،ويسردون صحيح البخاري في شهر رجب وشعبان ورمضان في المسجد والشفاء للقاضي عياض في رمضان" [9]

ومن شعراء المديح أند عبد الله بن سيد احمد الولاتي المتوفى 1037 أو 1038هجرية، ومن شعره قصيدة مطلعها :

                                خير حمدي للإله  ***    وهو باق لن يزالا

ومن المداحين للنبي صلى الله عليه وسلم العالم أعمربن باب ابن أند عبد الله(ت1152 هجرية)وصفه البرتلي بأنه كان "حسن الخلق والخلق، حسن السمت والهيئة ، جميل العشرةمليح البزة، حسن الثياب حسن النغم ، مداحا حسن الصوت في مدحه صلى الله عليه وسلم ضربة حسنة في تخميس ابن مهيب للعشرينات يقال لها ضربة الطالب محمد بابا ، يمدح بها المداحون في مولد النبي صلى الله عليه وسلم "[10] .

ومن المداحين أيضا محمد عبد الله بن عمر مم المحجوبي (ت 1214 هجرية )كان "أديبا حسن الخلق لين الجانب صالحا تقيا خاشعا لين الجانب صالحا تقيا خاشعا رقيق القلب يبكي من خشية الله تعالى على المنبر في الخطبة، لايخرج منه بين المغرب والعشاء إلا نادرا ولأمر مهم ، قائما بالمدح في مولد النبي صلى الله عليه وسلم وفي رمضان وفي كل ليلة جمعة وفي كل ليلة جمعة في المسجد فيما بينربيع النبوي ورمضان"[11].

وهكذا كان الجو الثقافي في ولاته مطبوعا بالزهد والتصوف.

فمن المدارس الصوفية  الأول الطريقة الشاذلية التي كان لها حضور مبكرحيثوصلت الطريقة الدرعية عن طريق الشريف مولاي زيدان بن سيد محمد (ت 1202 هجرية) إذ زار بلاد التكرور أربع مرات للدعوة لطريقة شيخه عبد المالك الركاني الذي تتصل سلسلة ورده بمحمد بن ناصر الدرعي عبر سيد محمد بن عبد الرحمن بن أبي زيان ، عن سيدي مبارك العنبري الغزواني. وممن أخذ الطريقة الدرعية عمر مم محمد بن أبي بكر الولاتي (ت 1201 هجرية) الذي قضى بالإمامة أربعة عقود  وكان ينتصب للتدريس والحديثوالمديح النبويإذ "كان حسن الصوت في المدح مهتما به معتنيا بشأنه"[12].

وقبله كان العالم الصوفي الطالب محمد بن الطالب عمر الخطاط بن محمد نض الولاتي (ت 1165 هجرية) أخذ طريق "الصوفية الغازية الناصرية عن شيخه سيدي احمد بن محمد عمر، من بني علي بن عبد الله، ثم من بني عيسى بن محمد، ثم من بني حماد، ثم التسايبت الشهير بالتواتي ، عن سيدي احمد بن عبدالقادر ، عن سيد محمد بن ناصر الدرعي حتى تصل السلسلة إلى أبي الحسن الشاذلي".[13]

ومن نماذج شعره الرقيق:

             مالي على اللهو واللذات واللعب    ***   عكفت  ويحيى فما يكون منقلبي

            ولَّى الشباب وأقبل المشيب ولم       ***    أفق ولست بذي علم ولا أدب

           قد ينقضي اليوم ثم اليوم يتبعه          ***     شهر وعام بل أعوام ولم أتب

           مرخى العنان بروضة الهوى ولقد    ***   ودت في نيلها وقرا من الكتب

          أظل حلف الأماني والهوى حكمي    ***     وللمحال من الأيام في طلب

ثم  بعد ذلك انتشرت الشاذلية الغظفية التي وصلت مع الشيخ محمد الأغظف الداودي الجعفري (ت 1218 هجرية).

وإلى جانب الطريقة الشاذلية، عرفت ولاتة مبكرا الطريقة القادرية الكنتية التي تنتمي إلى الشيخ سيد عالي بن النجيب إلى أن تتصل السلسلة بالشيخ سيد محمد بن عبد الكريم المغيلي التلمساني (ت 909 هجرية). تقول الروايةإنالشيخ سيد احمد البكاي الكنتي) ت 920 هجرية)مر بالمدينة حاجا في القرن العاشر فطالبه اهلها بالاستقرار بها إلى أن توفي بها رحمه الله ، فكان ضريحه على مر العصور مزارا مشهورا، ومن رواده المشهورين الشيخ سيد المختار الكنتي(ت 1218 هجرية) الذي يذكر صاحب فتح الشكور ان من كتبه المشهورة عندهم "نضار الذهب في كل فن منتخب"، ومن بين كتبه كذلك "نزهة الراوي وبغية الحاوي" و"هداية الطلاب" وشرحه "فتح الوهاب"و الشموس المحمدية" و"الجرعة الصافية والنفحة الكافية" و"جذوة الأنوار في الذب عن أولياء الله الاخيار"و"كشف اللبس فيما بين الروح والنفس"و"الرسالة في علم التصوف"و"الكوكب الوقاد في فضل المشائخ  والأوراد"ولابنه الشيخ سيد محمد الخليفة المتوفى 1244 هجرية "كتاب إرشاد السالك في التصوف".

ومن قصائد الشيخ سيد المختار الكنتي المشهورة:

شغف الفؤاد بحب ذات الواحد*** والسر أنبأ عن مقر جاحد

وله أشعار كثيرة في الزهد والدعوة إلى الله نذكر منها نونيته التي مطلعها:

أيقظ جفونك إن القلب وسنان  **  وصمم العزم إن العزم كسلان

                            وجدَّ شوقا إلى أخراك مبتدرا   ***  إن اللبيب إلى أخراه حنــَّان

وقد كان للمدرسة القادرية تأثير كبيرفي المنطقة من خلال العلاقات مع زوايا "أتوات" وخاصة الحركة الدعوية النشطة التي قام بها الامامأبى عبدالله، محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي من "مالي" إلى "كانو".

وكانت في المنطقة أيضا طريقة القادرية الفاضلية التي انتشرت على يد الشيخ محمد فاضل القلقمي (ت1268 هجرية)، ومن أشهر علمائها الشيخ ماء العينين وأخوه الشيخ سعد بوه ، وللشيخ التراد بن العباس (ت 1365 هجرية) كتب في التصوف وهي كما أوردها المرحوم المختار بن حامدن : "تصفية الطريق، الكنوز المخفية في التوقف عن العلوم الكشفية، مشارب الارواح،حكم الوقت وتثبيت الخائف من المقت "[14].

وانتشرت التجانية الحموية في منطقة الحوض ومالي على يد الشيخ حماه الله التيشيتيي(ت1363 هجرية) .

وكان بعض العلماء  يدعون إلى التصوف السني المعتدل مثل عثمان بن محمد يحيى بن سليمه القائل :

                  خل المشائخ قد عداك زمانهم    ***      إيـــاك فاحذر بابهم أن تطرقه

                  واعكف على طلب العلوم محررا ***   من ماجد كشف الغوامض أرهقه

                  قد ميز الخير الصحيح وضــــــده ***    ومقيد الشرع العزيز ومطلقه

                 هذا الذي ترجى مشيخـــــــته وذا   ***    هو الذي عرف السبيل وحققه

               أما التصوف دون علــــم سابق    ***     فهو الجهالة والهوى والزندقه

وكذلك كان والده المرحوم محمد يحيىى بن سليمه عالما سنيا منتسبا إلى الطريقة القادرية.

2.2 الرحلات إلى الحج:

كانت قافلة الحج تنطلق من ولاته عبر"أتوات" وترجع من البلاد المقدسة محملة بالكتب وقد يمر بعض الحجاج من الطريق الشمالية مرورا بالمغرب وتونس ومصر خاصة عندما تيسرت حركة الملاحة في البحر الابيض المتوسط، وهاك بعض الحجاج الأوائل الذين حفظ لنا البرتلي أسماءهم فمنهم الحاج أحمد بن أند عبد الله المحجوبي (ت 1140 هجرية)"حج في ركب من أهل بلده ولقي رجالا من صناديد العلماء أخذ منهم وقد كان رحمه الله مهتما بتحصيل الكتب فحصل منها بالشراء والاكتساب مالم يحصل غيره من أبناء جنسه، وعم النفع بها ولله الحمد لأنه لا يمسكها عن مستعير"[15].

ومنهم الحاج احمد بن الحاج الأمين الغلاوي الملقب بالتواتي (توفي بفزان 1157 هجرية).

ومنهم الحاج البشير بن الحاج أبي بكر البرتلي (ت1224 هجرية)"حج عام أربعة ومائتين وألف وزار،وله رحلة يذكر فيها مراحل طريق الحج من بلاد أتوات إلى الحرمين، ولقي العلماء والصالحين، ولقي الشريف المرتضي بمصر وأجازه"[16] وفي نفس السنة حج الطالب الحاج صالح بن عبد الله بن الطالب بوبكر الايديلبي (ت 1205 هجرية).

غير أن الرحلة الولاتية إلى الحج ودورها في التواصل الثقافي قد خلدتها "الرحلة الحجازية" للمرحوم محمد يحيى الولاتي، وهو كتاب شيق تفتح صفحته الأولى فلا تستطيع مغادرته إلا بعد إتمامه، يأخذك إلى تيشيت فواد نون فمدن المغرب وفي كل محطة تطغى اهتمامات الرجل العلمية ودوره في حمل لواء علوم شنقيط إلى العالم الإسلامي وتتوقف معه في طريق العودة في بعض مدن الاسلام "عمرها الله"(مصر،تونس،المغرب،الجزائر) ليعود إلى ولاته عن طريق أتوات محملا بالكتب النفيسة التي أهديت له وتلك التي اقتناها.

2.3 الموقع الجغرافي

كانت ولاته واسطة العقد ذات موقع استيراتيجي بين المدن الصحراوية القديمة فمن جهة هناك تينبكتو ،وأروان، وتادمكت في منطقة أزواد، وهناك المدن العتيقة الموريتانية الحالية: وادان،تيشيت، وشنقيط.

وقد كانت ولاته تتأثر بمحيطها وتؤثر فيه ولذلك كانوا يقولون إن خراب تنبكتو شكل فرصة ذهبية لولاته.

لقد كان لاحتلال "سن علي" (باباأحمد  يصفه كما الخارجي) لتنبكتو وبطشه بعلمائها في الربع الأخير من القرن التاسع انعكاسات إيجابية على ولاته إذ هاجر إليها كثير من العلماء،يذكر المؤرخون منهم طفلا سيكون الفقيه عمر بن محمد أقيت أتى مع خاله المختار بن أندغ محمد وابنه الفقيه محمود.

ولقد شكلت هجرة علماء "سنكوري" إلى ولاته حدثا بارزا كان له اثر مهم في إنعاش المدرسة الولاتية خاصة وأن المصادر تتحدث عن أن بعض هؤلاء العلماء استقروا في ولاته وضاحيتها "تازخت"ولم يعودوا إلى بلادهم بعد استتباب الامن فيها وكان الاستقرار السياسي في تنبكتو قد ساعد على الانتشار المبكر للعلوم أيام سيدي يحيى التادلي (ت 866 هجرية) واندغ محمد الجد (حيا سنة 933 هجرية).

وبدأ اهتمام المدرسة الولاتية مبكرا بتأليف الشروح على المتون المتداولة إذ ذاك فكان أند عبد الله بن سيد أحمد (ت 936 هجرية) من أوائل من شرح الآجرومية ليقرب فهمها إلى  الطلاب.

والهجرة من شنقيط إلى ولاته أعطت للمدرسة الولاتية كثيرا من العلماء منهم الطالب الوافي بن محمد بن شمس الدين بن سيد ببكر والحاج عثمان المجاور واحمد بن علي بن الطالب الوافي (ت 1125 هجرية) والحاج بوبكر بن الحاج عيسى بن أبي هريرة وهو شيخ سنبير الأرواني .

وأما وادان فقد لعبت دورا بارزا في التأثير على ولاته نذكر منه على سبيل المثال أن :

سيد احمد بن سيد محمد بن موسى بن إيجل الزيدي (ت 1140 هجرية) أخذ المصافحة والمشابكة مسلسلة عن سيد أحمد الشواف الواداني الأوتيدي، عن أحمد بن محمد بن خالد الجرسيفي، عن سيدي سعيد بن عبد الله التميلي إلى أن تنتهي السلسلة إلى خليف بن تميم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ولقد أشرنا إلى إسهام القاضي سنبير الأرواني، وهو ممن أخذ العلم على بعض مشائخ ولاته واهتمت المدرسة الولاتية باستدراكاته على الشيخ خليل.

2.4 التراث الأندلسي

يقول ابن بطوطة زرت ( إيولاتة)" وكانت علاقتي بها خمسين يوما وأكرمني أهلها وأضافوني ومنهم قاضيها محمد عبد الله بن ينومر وأخوه المدرس يحيى"[17].

وممن زاره ابن بطوطة ابن بداء " وهو رجل فاضل من أهل سلا"فهل كان ابن بداء هذا من أهل سلا الذين قدموا إليها من الاندلس؟.سؤال يحتاج إلى مزيد من البحث .

كيف وصلت المكتبة الأندلسية إلى ولاته؟ فهل كان ذلك عن طريق المرابطين الذين رجعوا إلى الصحراء بعد تغلب الموحدين على المغرب والأندلس؟

أم هل كان ذلك عن طريق هجرات بعض القبائل الصحراوية؟

أم كان عن طريق تنبكتو التي احتلها السعديون بجيش بعضه أندلسي؟

أم بواسطة الرحلات التجارية؟.

وماذا كان دور المكتبة العظيمة التي رجع بها أحمد بابا من المغرب ؟

كلها تساؤلات ربما وجد الباحثون لها إجابات، ولكن الأكيد هو أن التأثير الأندلسي متجذر في ولاته فلو أخذنا العمران الولاتي لوجدنا أن له علاقة بالأندلس حتى في زخرفة الجدران وهو مابرهن عليه باحثون غربيون إذ وجدوا تشابها بين زخرفة ولاته وبعض العمران في المرية شرق الاندلس[18] ولو درسنا كتاب محمد يحيى الولاتي "حسام العدل والإنصاف القاطع لكل مبتدع بإتباع الأعراف"لوجدنا أنه يورد أهم المراجع الأندلسية في الأصول منها "مرتقى الوصول"لابن عاصم، وابن عبد البر النمري،والباجي أبو الوليد سليمان بن خلف التميمي،وأبو إسحق ابراهيم بن موسى الشاطبي، وأبو العباس الونشريسي(المتخصص في القضاء بالأندلس).

ربما أتى التأثير الأندلسي على ولاته عن طريق تلاحمها العضوي مع تنبكتو حيث كان جل الطبقة العالمة من جذور ولاتية،أضف إلى ذلك أنه كان للولاتيين وجود متميز في تنبكتو إذ كان لهم حي خاص بهم،ولمعرفة مدى عمق علاقة تنبكتو بالأندلس يكفي أن نشير إلى كتاب "نيل الابتهاج بتطريز الديباج" الذي ألفه أحمد بابا التنبكتي لتذييل" الديباج المذهب في معرفة علماء المذهب"لابن فرحون(ت799هجرية) وتتجلى فيه معرفة دقيقة بعلماء الأندلس ومؤلفاتهم ويحيىل فيه لأهم المراجع ويتممها مثل التكملة لابن الابار وكتب لسان الدين ابن الخطيب والمقري والونشريسي.

وأحمد بابا هذا نتاج المدرسة الولاتية وقد اعترف بذلك إذ يقول عن جده أحمد بن عمر بن محمد أقيت"أخذ العلم عن جده لامه وقد كان قاضي تنبكتو،وعلى وأهل ولاتن "[19]

و ما نعرفه أيضا أنه كان من بين تلامذة القاضي عياض من هاجروا إلى موريتانيا مثل الشريف عبد المومن (مؤسس تيشيت) والحاج عثمان (وادان) وربما يكون التأثير الثقافي الأندلسي الأول انطلق إلى ولاته من تيشيت ووادان عبر طلاب القاضي عياض بن موسى اليحصبي الذي درس في الاندلس وتولى بها خطة القضاء.

ومن العلاقات الثقافية بين بلاد التكرور والأندلس ما ذكره البرتلي من أن العالم النحوي نور الدين أبو الحسن علي بن احمد بن محمد بن عبد الله الأنصاري (ت 724 هجرية) كان أندلسيا إذ يقول :"كان أبو الحسن هذا عالما بالنحو،وأصله من الأندلس رحل منها إلى التكرور وأقرأ أهلها القرآن فحصل له مال"[20]

ولو درسنا الإجازات والبرامج لوجدناها ترتبط بعلماء الأندلس فلنأحذ على سبيل المثال إجازة ابن الأعمش لتلاميذه برواية الشفا عن ابن عيسى المغربي، عن أبي بكر الدلائي، عن والده، عن محمد بن قاسم القصار، عن الغزي، عن زكريا الأنصاري المصري، عن ابن الفرات، عن الدلائي، عن ابن تاميت، عن ابن الصائغ، عن القاضي عياض.

3 خاتمة

إن من واجب كل أمة الحفاظ على ثقافتها ومعرفة تاريخها لتكون على بينة من أمرها (تعرف من أين أتت وإلى أين تسير)، لذا كان وجوب الالتفاتة إلى برنامج ولاته فرض عين لافرض كفاية، لأنها أمانة عظيمة في أعناقنا يجب تسليمها إلى الأجيال القادمة التي هي بحاجة إلى معرفة جذورها الثقافية حتى لا تعصف بها زوابع العولمة الهوج التي لا تبقي ولا تذر. فكلما كانت الجذور ضاربة في الأعماق كان خطر المسخ أقل، وكلما كان المجتمع عارفا بقيمه كان نسيجه أقوى وتلاحمه أمتن، ومن هذا المنطلق فإن تراث ولاته يستحق منا عناية أكبر فهو تراث غني نحسد عليه، لم يترك فرعا من العلم إلا وله فيه مساهمات جوهرية أيام كانت دياجير الجهالة في القرون الوسطى تنوء بكلكلها على كثير من الأمم .

وقد رأينا أن هذا الرصيد الثقافي الهائل قد تكون مع الزمن ونما بفضل قيم صوفية معتدلة متحضرة ورحلات إلى الحج ربطت المدينة بالعالم الاسلامي فأعطت وأخذت وساعد على ذلك موقعها الجغرافي الفريد الواقع على تقاطع الطرق الصحراوية بين الواحات المتناثرة في الصحراء وبين شمال افريقيا وجنوبها فكان بمثابة نقطة وصل بين الجميع، وأخيرا وليس آخرا بفضل اتصال عميق ـ لم تدرس بعد ظروفه وقنواته ـ بالتراث الأندلسي.

لقد طال إهمالنا لولاته ربما لجهلنا بالكنز، واليوم -وقد بدأت إرهاصات اهتمام نرجو أن يستمر- نرى أنه من الضروري إنشاء جامعة إسلامية في ولاته لتأخذ المشعل وتباشر العمل في ترميم الصرح المتصدع فتاريخ ولاته مازال مطمورا لا في المدينة ونواحيها فحسب، ولكن جل علومها مازال ضائعا في مخطوطات توات وتنبكتو وأروان ...و..و..!

لقد آن الأوان لإحداث نقلة نوعية في هذا المجال توجه البحث والباحثين إلى هذا التراث المهمل وذلك بعقد المهرجانات والندوات الموسمية ومنح الجوائز(فمن يخطب الحسناء لم يغلها المهر!).

ونظرا لموقع ولاته الاستراتيجي الذي جعلها حاضرة التاريخ الثقافي لشمال وغرب افريقيا فإن الاحتفاء بها يجب أن يتخطى حدود الوطن حتى نمد إلى الجيران جسور التواصل كما مدها أجدادنا ولن يكون ذلك ممكنا إلا إذا ربطنا المدينة بطريق يليق بمقامها - الآن، الآن وليس غدا!،هكذا تكون الالتفاتة إلى برنامج ولاته عمرها الله ، برنامج العلم والعلماء.

 

 

 

 

------------------------------------------

 

 

 

 

 

 

 

 



[1]هجرية 1398  -طرابلسالديباج-الابتهاج بتطريزنيل - أحمد بابا التنبكتي

[2]المختار ولد حامدن- كتاب"موريتانيا ـ الحياة الثقافية"

[3]-الطالب محمد بن أبي بكر الصديق الولاتي )البرتلي)

فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور، ص 79-1981 دار الغرب الإسلامي الطبعة الأولى - تحقيق : إبراهيم الكتاني ومحمد حجي

 

[4] نفس المصدر ص 179

[5] نفس المصدر ص 179

[6]نفس المصدر ص 166

[7] نفس المصدر ص 135

[8]هناك مثل سائر في الحوض يقال لكل طعام نيئ"هذا صلى في أكتاف ولد الطالب عبد الوهاب" ويروى أن رجلا اصطاد طيرا  وجعله تحت حزامه فلما وصل إلى الحي وجد أن ولد الطالب عبد الوهاب شرع في الصلاة فكبر وراءه ولما أقام صلاته حاول عبثا أن يشوي صيده ولكن الأخير امتنع على النار أن تناله، وذلك شأن كل من صلى وراء ولد الطالب عبد الوهاب بإذن الله والله لايعجزه  شيئ.

9 الطالب محمد بن أبي بكر الصديق الولاتي البرتلي، فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور، ص 142-143

 

[10] نفس المصدر، ص 183

[11]نفس المصدر ص 142ـ 143

[12] نفس المصدر، ص 187

[13] نفس المصدر ص 127ـ 129

[14]المختار ولد حامدن- كتاب"موريتانيا ـ الحياة الثقافية"

[15]- الطالب محمد بن أبي بكر الصديق الولاتي )البرتلي)، فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور ص 44-

[16] نفس المصدر، ص 83

[17] رحلة ابن بطوطه، http://www.al-hakawati.net/arabic/civilizations/10.pdf

 

[18]Meunié Jacques. Cités anciennes de Mauritanie : Tichite et Oualata.  In: Comptes-rendus des séances de l'Académie des Inscriptions et Belles-Lettres, 98e année, N. 2, 1954. pp. 217-226.

[19] نيل الابتهاج بتطريز الديباج، أحمد بابا التنبكتي طرابلس  1989،  ص137،

[19] البرتلي (الطالب محمد بن أبي بكر الصديق الولاتي فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور، دار الغرب الإسلامي الطبعة الأولى - تحقيق : إبراهيم الكتاني ومحمد حجي 1981، ص 196