من نشاطات المركز: مئوية الولاتي


اليوم الثاني : الجلسة الأولى

 بدأت الجلسة الأولى يوم الجمعة 21 ديسمبر 2012 في حدود الساعة التاسعة صباحا واستمرت إلى غاية الواحدة بعد الزوال، وترأسها السيد أحمدو ولد سيدي الذي افتتح الجلسة بتقديم  نبذة مختصرة عن الفقيه وعن تميزه بعدد ونوعية المؤلفات التي تناهز 130 مؤلفا. وتتالت بعد ذلك المحاضرات على النحو التالي:

المحاضرة الأولى : " التجديد المنهجي في حقلي التربية والتأليف عند محمد يحيى الولاتي " ـ الأستاذ بوميه ولد ابياه

بعد أن تحدث المحاضر بإيجاز عن النهضة الفكرية التي عرفتها ولاته في منتصف القرن 13، انتقل إلى التعريف بمحمد يحيى الولاتي مركزا على مظاهر التجديد المعرفي والمنهجي لديه. فأشار إلى تميز منهجه في التأليف والإفتاء والمناظرة والتدريس، وإلى أنه رحمه الله قد 

أحيا فنونا كانت ميتة مثل أصول الفقه، وسهل فنونا كانت مستعصية مثل قواعد الفقه، وأعطى البدائل الفقهية النافعة المؤصلة، وألف في فنون كانت مهجورة مثل الناسخ والمنسوخ، وشرح متونا مهمة قليلة الشروح أو لم تشرح ، كل ذلك بأسلوب واضح مبسط مرتب يجعلها في متناول طلاب العلم والعلماء معا، كما ألف في مجال الإصلاح الاجتماعي والسياسي. والحقيقة يقول الأستاذ بوميه إنه استنفد كل أسباب التأليف ودواعيه كما عددها أبو عبد الله محمد بن علاء الدين، شمس الدين البابلي القاهري المتوفي 1077هـ / 1667م، كما نقل عنه محمد أمين بن فضل الله محب الدين ،المتوفي  1111هـ .  وقدم المحاضر نماذج عديدة من ثمار هذا المنهج القويم الذي تبناه الرجل وجسد متطلباته بجدارة عالية في ما كتبه في شتى مجالات العلم والمعرفة.  فكان بذلك شخصية فذة جديرة  بما نالته من إعجاب متواصل إلى اليوم.

 

المحاضرة الثانية : فتوى محمد يحيى الولاتي في المداراة: دراسة وتحليل ـ محمد ولد بوعليبه ولد لغراب

اعتمد الباحث على تحقيق  أنجزه  لكتاب المداراة الذي ألفه الفقيه محمد يحيى الولاتي والمعنون ب:  رسالة النصح لعرفاء الزوايا عن الحيف في فرض المداراة على أموال الضعفاء الرعايا، يناقش فيه مفهوم المداراة وما يتعلق به من مفاهيم لها صلة بالمعجم اللغوي الفقهي الذي تنتمي إليه هذا المفهوم منذ أن عرفته هذه البلاد ومدي مطابقته لأحوال البلاد. وكيف تمت معالجته من طرف الفقهاء والخلفية الفقهية التي يستندون إليها في صياغة فتاويهم المتعلقة بموضوعه، وتأثر بعضهم بالبعض وتأثُّرهم بمن سبقهم وتأثرهم بمحيطهم وخلافاتهم حول الحوادث التي تسببت في استحضاره أو استحضار غيره من المفاهيم، وتأثير التحولات الاجتماعية والسياسية في تطور هذا المعجم اللغوي الذي ينتمي إليه هذا المفهوم. كما يناقش مفهوم العاقلة المتعلق بمفهوم المداراة ذي الصلة الوثيقة بتلك التحولات. وفي البحث تأملات متعلقة بمفاهيم العرف والعادة وغيرها من المفاهيم المرتبطة بالموضوع. كما تناول الباحث جدة طرح المؤلف صاحب الكتاب المخطوط وموضوعيته وصرامته العلمية. 

 

المحاضرة الثالثة : الفقهاء الشناقطة ومسألة العقوبة بالمال من خلال فتاوى محمد يحيى الولاتي ـ محمد المختار ولد السعد

استعرض الباحث الدلالة الاصطلاحية للعقوبة بالمال معرجا  على تباين مواقف المذاهب المختلفة منها بين قائل بنسخ ما ورد فيها من نصوص شرعية  وبين قائل بجوازها عند تعذر الحدود، ليصل إلى  مواقف الشناقطة منها ابتداء من محمد بن أبي بكر بن الهاشم الغلاوي الذي لا يرفضها رفضاً مبدئياً باتاً، ومرورا بالشريف حمى الله التيشتي الذي يرى أنها  تكون أولى إذا عدم الإمام، وعدم التمكن من إقامة الحدود وإجراء الأحكام على أهلها، وبموقف سيدي عبد الله ولد الحاج ابراهيم الذي يرى أنها تجوز بشروط، وبالشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي المختار الكنتي القائل بجوازها واختلافها باختلاف الذنوب، وبمحنض بابه الذي يفضل عليها العقوبة البدنية، وإن تعذرت هذه فالمال يؤخذ من الظالم وحده بلا إعانة قريب ولا بعيد.

ليخلص الباحث  إلى رأي محمد يحيى في المسألة، القائل بأن التعزير بالمال على المعصية التي لا حدَّ فيها مقدر في الشرع في غير ما موضع، معارضا نسخ هذه العقوبة ومخالفاً ما ذهب إليه ابن رشد الجد ، لأن "مشهور مذهب مالك أن العقوبة المالية محكمة، أي غير منسوخة، إذ لا يجوز إهمال الفجار والظلمة وتركهم بلا تعزير حيث تعذرت إقامة الحدود كما في البلاد السائبة".

واعتمد الفقيه في تأصيله لجوازها "حديث التنفيل" وحرم المدينة، و"عمل الصحابة"، مضيفا إلى ذلك تأصيلا سياسيا هو سيبة البلاد وغياب السلطان الزاجر، والطابع البدوي بها وعدم توفرها على مؤسسات عقابية، وجريان العمل بهذه العقوبة في الجوار المغاربي، والمصلحة العامة للناس.

 

  المحاضرة الرابعة : التجديد الفقهي عند محمد يحيى الولاتي ـ أحمد ولد أهل داود

حدد المحاضر مفهوم التجديد. ثم قدم تعريفا علميا لمحمد يحي الولاتي ووصفه بالتجديد والاعتدال والتمكن والشجاعة. ليصل في آخر المحاضرة إلى أن منهج التجديد عند الولاتي كان منهجا وسطا يقوم على تطبيق الأصول على الفروع.

المحاضرة الخامسة : ولاته : ملتقى الثقافات بين المغرب الإسلامي والسودان في الفترة ما بين 1204 – 1912 للميلاد – محمد الاغظف ولد الداه ومحمد البشير ولد حمادي

استعرض المحاضران واقع ولاته في الفترة المنوه بها؛ حيث كانت نقطة إجبارية للعبور من الغرب الإسلامي للسودان الغربي، واستمرارا للموانئ الصحراوية الأقدم منها كأوداغست وكمبي صالح، في الوقت الذي كانت فيه محطة مهمة لتصدير الملح إلى السودان، الأمر الذي ربطها بالمدن الأخرى التي تلعب تجارة الملح الدور الرئيسي في أنشطتها الاقتصادية كوادان و شنقيط  وتشيت. فكانت مدينة قوافل بامتياز، فازدهرت أسواقها وتدفقت الهجرات نحوها...

 وقد امتازت بالإشعاع حضاريا وثقافيا على محيطها القريب والبعيد، وبذلك ظلت مركز إشعاع علمي متميز بنظامه التعليمي الذي عز نظيره في البلاد، وأنبتت بإذن ربها ثمرا طيبا ،علماء نجباء تميزوا بعطائهم العلمي...

  وخلص الباحثان إلى أن الفقيه  محمد يحيى الولاتي  ليس في الحقيقة  إلا شجرة طيبة من نبت هذه الأرض المعطاء، أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وإن تميز ثمرها بوفرته وحلاوة مذاقه ودنو قطافه، فلا غرابة في ذلك لمن يتلوا قول الله تعالى (وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل).

وقد شرف العلامة محمد الحسن ولد الددو الندوة بحضور الجزء الأخير من هذه الجلسة وتناوله الكلام فيها معتذرا عن عدم التمكن من حضورها من البداية إلى النهاية بسبب مانع السفر أولا ثم ارتباطات أخرى شغلته بعد ذلك. ونوه بمبادرة الاحتفاء بالفقيه محمد يحيى الولاتي الذي اعتبره من كبار المجددين في هذه البلاد. وأشاد بالآثار الطيبة التي خلفها في فنون وميادين الشريعة كافة، والتي لم يسبق إلى الكثير منها.      يتواصل