من نشاطات المركز: مئوية الولاتي

 بداية سيرة ومسيرة:

تتقارب روايات كتب التراجم للأعلام في اجتماع أربعة أنواع من المناقب في عبدان المروزي، وهي: الفقه، والإسناد، والورع، والاجتهاد، وحاز الحاج الحسن ولد آغبدي تلك الصفات باستحقاق، عندما عُدَ "أفقه أهل عصره بالاتفاق" كما يثبت أبو عبد الله الطالب محمد بن أبي بكر البرتلي، في فتح الشكور في أعيان علماء التكرور، ومصدر إجازات وأسانيد للعديد من أهل العلم في موريتانيا وخارجها في الحديث وعلومه، لتضلعه فيهما، ونظمه لنخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر لابن حجر، وشرحه لها يعكسان قدرته، وكذلك نظمه حول ضبط المتشابه من رجال الصحيحين، على أن وصوله مرتبة الاجتهاد –وإن منتسبا لمذهب- معلوم بداهة، ويشهد عليه تصديه في الجامع الأزهر بمصر للرد على الخرشي –في شرحه لمختصر خليل- وإفحامه له في 40 مسألة، ونزول عبد الباقي والأجهوري على رأي الشنقيطي الزيدي، وقد نظمها الشريف حمى الله التيشيتي، وهي مرقونة بالمكتبة الوطنية والمركز الموريتاني للبحث العلمي، وقد أشار إلى ذلك المختار ولد حامد في موسوعته، والخليل النحوي في بلاد شنقيط المنارة والرباط.
جمع الحاج الحسن ولد آغبدي الداوودي الزيدي (1065-1123هـ) بين التفوق العلمي والفقهي وغزارة الانتاج، حتى عده معاصروه من الأعلام المشهورين والأئمة المذكورين، وكان واسع الاطلاع دقيق الاستنباط، "درَس وأفاد وأحيا بفتاويه سبيل الرشاد".
وأتيح له أن يتتلمذ على أئمة فضلاء من أعلام المنطقة: كالفقيه أحمد الولي، والفقيه سيدي أحمد بو الأوتاد، وقد أخذ عنه العلم جماعة من أبرزهم: الفقيهان الأخوان، الشريف محمد والشريف أحمد، ابنا فاضل الشريف.

انتماؤه لمدينة تيشيت:

ولأنه أحد ألمع من أنجبت مدينة تيشيت –التي يعود تاريخ تأسيسها إلى النصف الأول من ق 6 هـ - فإنتاجه بها وفتاويه ماثلة وأطلالها بالحاضرة شاهدة،"وحصل خزانة نفيسة كبيرة مشتملة على عدة فنون بالاستكتاب وبخط يده، وانتفع الناس بكتبه كما انتفعوا بعلمه"  كما في فتح الشكور، والواقع أن من لم نقف عليه من العلماء من قبل، قد لاقينا ذكره وفرائده، وكان شيخ المشايخ بتيشيت "يدرس العلم دراسة حسنة، وكان من أهل العلم إذا نزلت النازلة يسألونه ويقتدون به، وكان قيما على مختصر خليل حسن الاقراء له، وكان يقول: الأصل في الإقراء تقرير المتن وما زاد في الإقراء على ذلك فضرره على المبتدئ أكثر من نفعه، خبيرا بالمدونة والأمهات والقواعد، عليه مدار الفتوى في الفقه في بلادنا، عالما بأصول الدين، وأفتى وصنف رحمه الله" كما يقرر البرتلي.

 رحلته وحجه:

قليل من الشناقطة من اهتم بأدب الترحال أو دون رحلته، لذلك يعاني الباحث شح المصادر، حول رحلة حج الشيخ الحاج الحسن التي لم يكتبها، وقد حل رحمه الله ببعض بلدان إفريقيا، واجتمع بعلماء الأزهر الشريف، وكانت المساجلات والثراء والنظر في نوازل الفقه ومستجدات الناس وأحوال الفتوى، وألقى عصا التسيار بالحجاز لفترة، حيث حج قبل أن يعود لموريتانيا، وما تنقله المصادر على قلته، ينبئ عن وعي الرجل بمواضع الخلاف، وحفظه للنصوص، وملكته في الفتوى، وقد زانته خلاله الشريفة وصفاته الكريمة التي هيأته لتلك المكانة العلمية المرموقة، وكان ذا فطرة سليمة صافية، يمدها ذكاء قوي ومواهب نادرة، و"إذا أحببت أن تعرف قدر علم العالم، فسله عن مشكلات المسائل، وعن أنواع العلوم المختلفة" كما يقول الحضرمي -في كتاب السياسة أو الإشارة في تدبير الإمارة- وعلى هذا المستوى مثل العلامة: ولد آغبدي - بما عرف عنه من نبوغ وما كان يبهر به في طريقة تدريسه ونوازله التي عمت الآفاق - واسطة العقد بين المدن التاريخية في موريتانيا وبلاد التكرور-تمبكتو، مراكش، القيروان...ويقدمه المخزون الشعبي على أنه ولي صالح، وهُب كرامات.

ويبقى التحدي في إبراز محصوله الضخم:

إن سعي المهتمين وتضافر جهود الباحثين في محاولة جمع وإحصاء والتعرف على إنتاج الرجل، المشتت بين رفوف المكتبات وأطلال المدن التاريخية ومراكز الدراسات، أمر في غاية الأهمية ويسد فراغا في الحراك الثقافي للبلد، ولا يمل ابن أبي بكر البرتلي الولاتي من سحب أجمل الألفاظ وأحسن النعوت على العلامة الحاج الحسن الزيدي ولد آغبدي، في رشاقة أسلوب  وبلاغة بيان: "انتهت إليه رياسة الفقه، وجد في طلب العلوم فبلغ الغاية القصوى، فقيها، فاضلا متفننا، إماما في الفقه والحديث، مستحضرا لهما، مشاركا فيما سواهما، بصيرا بطرق الحجة، بصيرا بما تدل عليه مسائل المذهب"، ومع العلماء تنتقل النفس من حال إلى حال، لتسيح في ابتكاراتهم وترى من جمال شمائلهم ما ترتاح لنثره، ومن إسهاماتهم ما يورث الخشية والحب لله.
 
بقلم عبد المالك ان عبد الله