من نشاطات المركز: مئوية الولاتي

نواصل هنا ـ إن شاء الله تعالى ـ  في حلقات مسلسلة، نشر قطوف
من شرح الفقيه محمد يحيى الولاتي لبعض أحاديث البخاري الموسوم:

"نور الحق الصبيح في شرح بعض أحاديث الجامع الصحيح".

 

تنبيه: نلون بالأحمر الإضافات التي ينسبها الفقيه إلى نفسه بقوله: قلت

باب: مِنَ الدين الفِرَار مِنَ الفِتَن

12- حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مسْلَمَةَ عن مالك عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بنِ عبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بنِ أَبي صَعصَعَةَ عَنْ أَبيهِ عَنْ أَبي سَعيد الْخُدْري أَنَّهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : "يُوشكُ أنْ يَكونَ خَيْر مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بهَا شَعَفَ الْجِبَالِ، ومَواقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدينِهِ مِنَ الْفِتَنِ".

الشــرح

-      (عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك) أي يقرب.

-      (أن يكون خير مال المسلم غنم) أي خير ما يملكه المسلم الذي يحب سلامة دينه غنمًا.

-      (يتبع بها) أي يرحل بها من مكان إلى مكان فينزل بها:

-      (شعف) أي رؤوس.

-      (الجبال ومواقع القطر) أي مواضع نزول المطر لترتع فيها غنمه ويعبد الله منفرداً.

-      (يفر) من مخالطة الناس

-      (بدينه) طلباً للسلامة.

-      (من الفتن) لا لغرض دنيوي:

-  قال القسطلاني: "فالعزلة عند الفتنة ممدوحة إلا لمن يقدرُ على إزالة الفتنة فتجب عليه المخالطة ليزيلها، واختلف عند عدم الفتنة، فمذهب الشافعي تفضيل المخالطة لتعلمه وتعليمه وأدبه وتحسين خلقه بحلم واحتمال أذى وتكثير سواد المسلمين وعيادة مريضهم وتشييع جنائزهم وحضور الجمعة والجماعات، واختار آخرون العزلة لتحقق السلامة وليعمل بما علم وليأنس بدوام ذكر الله تعالى" أ.هـ.

قلت: والمراد بالفتن البدع المخالفة للشرع التي تعم المجرم والبرئ.

وفي الحديث دليل على أن الدين هو أهم ما على المؤمن، فيجب عليه أن يفر به عن كل ما يؤدي إلى نقصه.

وعليه أن يكتسب من المال ما يعينه على الفرار بدينه كالغنم، وإنما خصها دون الإبل والبقر لأن الإبل لا يسلم مالكها غالباً من الخيلاء والكبر، والبقر لا يسلم مالكه غالباً من مخالطة الناس لأنه لا يستغني عن الماء في كل زمن، بخلاف الغنم فإنها تستغني عن الماء في غير زمن القيظ إذا وجدت المرعى الجيد، ومواضع الماء مظنة لسكنى الناس.

وفي الحديث دليل على أن التبدي مع العزلة أفضل في آخر الزمان من السكنى في القرى والمدن.

وفي قوله صلى الله عليه وسلم "يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر" دليل على أن طلب الكلأ للماشية مطلوب.

وفي الحديث دليل على أن إقامة المعاش واجبة كإقامة الدين لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالفرار بالدين إلا مع استصحاب ما يقام به العيش.

وفيه دليل على أن المال إنما يطلب في الدنيا لإقامة الدين مع إقامة العيش لا لمجرد العيش والتفكه كما يفعله أهل الدنيا اليوم