من نشاطات المركز: مئوية الولاتي

بمناسبة شهر رمضان المبارك

ننشر بإذن الله على فقرات متسلسلة باب الصوم وشرحهمن كتاب"العروة الوثقى على منبع الحق والتقى" للفقيه محمد يحيى الولاتي. ويتميز هذا النص بحرص المؤلف فيه- رحمه الله- على تأصيل الأحكام التي يوردها.

النص:

ومن مات وعليه صوم صام وليُّه وأجزأ، والجمهور على نفيه. وينهى عن صوم يوم الشك احتياطا، وعن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا من كان صائما، وقيل ينهى عن تقدمه به من نصف شعبان.

الشرح:

(ومن مات و) الحال أن (عليه) أي في ذمته (صومٌ صام) عنه (وليُّه) ندبا (وأجزأ) إن صام عنه، لحديث عائشة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليُّه». ولحديث ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنّ أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: نعم أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضيه؟ قالـ: نعم. قال: فدين الله أحق بالقضاء، أخرج الحديثين الشيخان وبه قال الشافعي في القديم وأحمد في رواية وطائفة من السلف فقالوا: يستحب لوارثه أن يصوم عنه ويبرأ به الميت ورجحه النووي.

(والجمهور على نفيه) أي نفي إجزاء الصوم عن الميت أي أنه لا يندب لوارثه أن يصوم عنه ولا يبرأ هو بصوم وليه عنه، وهو قول الجمهور منهم مالك وأبو حنيفة والشافعي في الجديد وأحمد في رواية، لما أخرجه مالك في الموطإ أنه بلغه أن ابن عمر كان يُسْأَلُ هل يصوم أحد عن أحد؟ فيقول: "لا يصوم أحد عن أحد". وأخرج البيهقي عن عائشة أنها قالت: لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم، وأخرج عنها أيضا أنها سئلت عن امرأة ماتت وعليها صوم قالت: "يطعم عنها". وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس في رجل مات وعليه رمضان قال: يطعم عنه ثلاثون مسكينا.

وأخرج النسائي عن ابن عباس أنه قال: لا يصم أحد عن أحد. فهذا هو حجة الجمهور في نفي الصوم عن الميت قالوا: فلما أفتى ابن عباس وعائشة بخلاف ما روياه دلّ ذلك على نسخ مرويّهما وهي قاعدة عند الحنفية.

وأجاب المالكية عن حديث عائشة وابن عباس بأن عمل أهل المدينة على خلافهما، وأعلوا حديث ابن عباس بالاضطراب، والله أعلم.

(وينهى) نهي تنزيه وقيل نهي تحريم (عن صوم يوم الشك) أو صومه (احتياطا) أي لئلا يكون من رمضان لحديث عمار بن ياسر: من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم، أخرجه أصحاب السنن الأربعة وصححه الترمذي وعلّقه البخاري جزما لأنّ الصحابي لا يقول ذلك من قِبَل رأيه فحُكْمُه الرفع. قال ابن عبد البر: هو مسند عندهم اتفاقا، وخالفه الجوهري المالكي فقال: هو موقوف، وجمع الحافظ ابن حجر بينهما بأنه موقوف لفظا مرفوع حكما.

(وينهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين) بأن يصوم قبله يوما أو يومين على التحري أنهما من رمضان (إلا من كان صائما) قبل ذلك فلا يكره له أن يصل صومه برمضان.

والأصل في ذلك حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يتقدمّنّ أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم»، أخرجه الشيخان وأصحاب السنن الأربعة. وأخرج الطبراني عن عائشة أنّ ناسا كانوا يتقدمون الشهر فيصومون قبل النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}[الحُجُرات:1]، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين».

قال في الفتح: وفي الحديث منع إنشاء صوم يوم أو يومين قبل رمضان إذا كان لأجل الاحتياط فإن زاد على ذلك فمفهومه الجواز. قلتُ: وهو قول الجمهور.

(وقيل ينهى عن تقدمه) أي رمضان (به) أي بالصوم (من نصف شعبان) أي من اليوم السادس عشر لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا رواه أبو داود وغيره، وبه قطع كثير من الشافعية.

وأجابوا عن حديث أبي هريرة بأنّ المراد منه النهي عن التقدّم بالصوم، فحيث وجد مُنِعَ وإنما اقتصر على يوم أو يومين لأنّ الغالب ممن يقصد ذلك. قال في الفتح: وظاهر الحديث أنه يحرم الصوم إذا انتصف شعبان، وقال الروياني من الشافعية: يحرم تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين لحديث الباب، ويكره تقدمه بصوم نصف الشهر أي شعبان وضعف الحديث الوارد فيه. وقال أحمد وابن معين أنه منكر. والراجح أنّ النهي في المسائل الثلاث على الكراهة والله أعلم.