آخر الأخبار

من نشاطات المركز: مئوية الولاتي

مقالات

كتابات فقهية

تقديم  جديد لكتاب: "الفقيه محمد يحيى الولاتي عالم التجديد والتواصل"

عن مدونة محمد الحافظ بن محم

الأحد، 24 مايو، 2015

الفقيه محمد يحيى الولاتي من أبرز العلماء الشناقطة الذين عاشوا في ملتقى القرنين إل 13 و 14 الهجريين (التاسع عشر والعشرين  المسيحيىين).. نشأ وتربى في مدينة ولاته التاريخية وتميز بالنبوغ والذكاء، حيث  كان لا يقرأ شيئا إلا حفظه ولا يحفظ شيئا وينساه ، وكان يقول ان "ضوء النهار اعز من أن يصرف في غير المطالعة والتحصيل".

بدأ تأليف الكتب وهو في ال17 من عمره، وزادت مؤلفاته على (110) كتاب، قام برحلته الحجازية المشهورة التي دونها تدوينا علميا، حيث تضمنت مؤلفات كاملة ، وفتاوى، وحوارات مع أهل العلم في البلدان التي حل بها .. تبوأ رتبة القضاء بجدارة على الرغم من عادات التوريث عند الولاتيين ، حيث اعتبر أنه "يجب في هذه البلاد على من أعطاه الله العلم الشرعي أن يقوم بالحق " وتربع على عرش الإفتاء لما منحه الله من علم وشجاعة.

 والتعريف بالفقيه محمد يحيى الولاتي هو خدمة جلى للعلم وإسهاما في إحياء التراث الوطني؛ وذلك ما بادر إليه مركز البحوث والدراسات الولاتية من خلال نشرة لكتاب "محمد يحيى الولاتي علام التجديد والتواصل" الذي تضمن أعمال الندوة العلمية المنظمة بمناسبة مرور مائة سنة على وفاة محمد يحيى الولاتي.

                           بداية موفقة

جاء هذا الكتاب في (630) صفحة من الحجم المتوسط، وحوى (23) بحثا إضافة إلى مداخلات وتعقيبات ، وملحقات .. ويوضح الأستاذ حسني ولد الفقيه رئيس مركز البحوث والدراسات الولاتية في تقديمه لهذا الكتاب أنه "جمع بين دفتيه أعمال الندوة العلمية المنظمة في نواكشوط أيام 7و8و9 صفر الخير من العام 1434 ه الموافق 20 و 21 و22 ديسمبر 2012 في إطار احتفالية مئوية الفقيه محمد يحيى الولاتي"..

وكانت هذه الندوة بداية موفقة لأعمال المركز وأثمرت عملا جادا متميزا اشترك فيه عدد مهم من الأساتذة والباحثين "يلقون الضوء – كما ورد في تقديم الكتاب - على السياق التاريخي والثقافي الذي اكتنف ظهور الفقيه محمد يحيى الولاتي، ويعرضون لظروف حياته وتكوينه، ويجلون آيات تميزه ونبوغه ، ويتوقفون عند نماذج من مظاهر التجديد في فكره ومن دلائل تفاعله وتواصله مع محيطه الاجتماعي والثقافي المحلي والإقليمي ، ويكشفون أهم خصائص منهجه في التأليف والإفتاء والقضاء والمحاورة والنقاش، ويبرزون طريقته في التربية والسلوك ، ويجتهدون في تنزيل نسقه الفكري والسياسي في إطار المشاريع الإصلاحية "الثائرة " على التقليد المكبل والتوارث المعطل والمناهضة لمطامع الاستعمار المتربص ، ويتلمسون من خلال كل ذلك نموذجا فريدا من العلاقة بين الفقيه والمجتمع في مدينة تعتبر واحدة من أهم الحواضر الصحراوية".

وذكر الأستاذ حسني ولد الفقيه بأن مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء في المغرب كان قد نظم ندوة علمية حول آثار الفقيه محمد يحيى الولاتي في ذي الحجة من العام 1430 ه  المصادف لمئوية الولاتي بالتقويم الهجري . وقد نشرت أعمال هذه الندوة.

وجدد الأستاذ حسني التزام مركز الدراسات والبحوث الولاتية بتحقيق الأهداف التي من أجلها تأسس المركز خدمة للتراث الوطني عامة والولاتي منه خاصة..

                                  سيرة الفقيه

ضمن هذه البحوث القيمة بحث يتناول بتفصيل سيرة الفقيه محمد يحيى الولاتي تحت عنوان "الفقيه محمد يحيى الولاتي : الإشعاع العلمي والتواصل الثقافي 1256 – 1330ه ـ كتبه الأستاذ عال بن مروان (باحث في التراث ، وحفيد الفقيه محمد يحيى الولاتي).

في حديثه عن نشأة الفقيه يؤكد الباحث أن الفقيه هو: محمد يحيى بن محمد المختار بين الطالب عبد الله النفاع (الملقب اب) بن احمد حاج بن المختار بن ملوك الداودي ينتهي نسبه إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وفقا لما كتبه عنه تلميذه المرواني بن محمد المختار الذي يؤكد أنه ولد في عام 1256 ه وتوفي رحمه الله في آخر العام الموفى 1330 ه بولاته ، وأمه تدعى العزيزة بنت الحاج ببان من نفس القبيلة . نشأ يتيما حاد الذكاء ثاقب البصيرة، تعلم القرءان ثم درس المتون المعتمدة في المدينة من نحو وفقه وأصول وبيان ولغة ، كان يتجول في حلقات الدرس سواء في أروقة المسجد أو بيوتات العلماء ومقرئي القرءان ، وقال عنه أحد شيوخه الإمام بن حم اسر المحجوبي إنه لم يقرأ شيئا إلا وجده ملما به غير اللقب وزاد: أنا أقرئه اللقب وهو يقرئني المعنى . ومن نباهته أنه قرأ خليل وحفظه في ستة أشهر . اشتغل بالتدريس مبكرا وتميز من بين النخبة العلمية في ولاته بقوة شخصيته وشجاعته في الصدع بالحق والاستقلالية في النظر.. بوأته مكانته العلمية ليتولي القضاء بمؤازرة السلطة السياسية "آنذاك (إمارة مشظوف).

اختاره الولاتيون ليكون ضمن وفد مكلف بمهمة مصالحة مع إمارة فوتا المجاورة ، على اثر جفاف حاد تعرضت له المدينة وتزامن مع خلاف سياسي مع إمارة فوتا التي حرمت ولاته من الميرة. وباسم الوفد تفاوض محمد يحيى الولاتي مع أمير فوته أحمد بن الحاج عمر تال الفوتي الذي انبهر بجرأة ومنطق الولاتي وتراجع عن حظره على أهل ولاته وأقر لهم بالميرة ، وانشد الولاتي قصيدة في مدحه ، واثر هذه الحادثة طلب الأمير احمد بن الحاج عمر من محمد يحيى الولاتي البقاء معهم فترة ليعلمهم ولما أراد المغادرة أهداه الأمير قلادة من الذهب يقال أنها كانت المعين الأول لتمويل رحلته إلى الحجاز لاحقا.

بدأ رحلته الشهيرة إلى الحجاز وهو في الخامسة والخمسين من عمره، واستغرقت هذه الرحلة ست سنوات وثلاثة أشهر( من 7 رجب 1311ه إلى 6 شوال 1317 ه الموافق 14 يناير 1894 – 7 يناير 1900).وكان مسارها: ( ولاته، تيشيت، شنقيط، اكليميم ، تازروالت، الرباط ، طنجه، الجزائر، تونس، بورسعيد ، السويس، جدة).خلال توقفه في الرباط التقى السلطات آنذاك : المولى عبد العزيز بن الحسن الذي رتب له مرتبا شهريا ، وأخذ عنه بعض العلماء ولما وصل مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم جلس للتدريس بالمسجد النبوي يلقى عليهم موطأ الإمام مالك رضي الله عنه ، وأدى مناسك الحج . ويرى الدكتور محمد حجي الذي حقق رحلة محمد يحيى الولاتي أن "وصفه لهذه المناسك في الرحلة يمكن أن تخرج في شكل دليل للحج السني ". وفي العودة توقف الولاتي في الإسكندرية التي التقى بعلمائها وتبادل معهم الإجازات ،و من ذلك اجازة في المذهب الشافعي وقعها الشيخ عبد الرحمن الابياري للشيخ الولاتي.

ويصل تونس التي يحتفظ لأهلها بود خاص، وقابل فيها ما يربو على ثلاثين عالما وشريفا أضافوه وأهدوا إليه نفائس الكتب ،وكتب أحدهم ترجمة نادرة للولاتي وهو الفقيه محمد باش طبحي بدأها بوصفه للولاتي : " رجل تلوح عليه الشهامة، يمثل عربيا من تهامة، أو كأنه نشأ في بادية اليمن ، أو أدبته امرأة من علياء هوازن، فلا غرو أن يحذو في نطقه الاعتيادي حذو العربية الفصيحة ....".

نزل الولاتي في تونس بزاوية سيدي إبراهيم الرياحي الذي هو من أبرز أصحاب الشيخ سيدي احمد التجاني المعاصرين له، واستقبله مقدم الزاوية سيدي الطاهر بن سيدي إبراهيم ، وانشأ الولاتي أبياتا في مدح صاحب الزاوية المدفون فيها وفي مدح الشيخ التجاني رضي الله عنه، كما قام بتربيع سينية إبراهيم الرياحي في مدح الشيخ احمد التجاني.

عرف الفقيه محمد يحيى الولاتي بمحبته للرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته؛ ففي بدء رحلته إلى الحج نزل عند أهل الشريف المختار من شرفاء تيشيت، ونظم أسماء المصطفى عليه الصلاة والسلام متوسلا بها إلى الله عز وجل في الشفاء من مرض ألم به، ونظم نسب شرفاء تيشيت أبناء عبد المومن الحسني ، وله قصيدة مشهورة في التوسل متداولة في الحوض وبها من البركة الشيء الكثير مطلعها:

بشراك ياقلب هذا سيد الرسل                 أبشر ظفرت بما ترجوه من أمل

وصلت مؤلفات الفقيه محمد يحيى إلى (110 ) تأليفا حسب ما جاء في منظومة من مجزوء الرجز منقوشة على ضريحه من إنشاء ابنه محمد الحسن يقول فيها:

هـــذا ضريح من به               علم الشريعة انتشر

فقها ومعقولا جميــــــــــــــــــــــــعا  وكتابا وأثـــر

ألف في حـــــياته                  مائة سفر وعشر

وزار قبر المصطفى            والبيت حج واعتمر

قاضي القضاة كلهم             من بالعدالة اشتهر

محمد يحيى رضــــــــــــــــــــــيَّ الله عـــنه وغفر

وختم الباحث عال بن مروان محاضرته بالحديث عن الجهود التي بذلها أحفاد محمد يحيى الولاتي في حفظ تراثه، وذكر من هؤلاء الأعلام حفيده العالم محمد عبد الله بن محمد المختار دفين تنبدغه (1988)الذي أعد نقلة سماها : " إنباء الأبناء بالجد في ما كان للأب والجد"، وكذلك الفقيه بن سيدي محمد القاضي ، والمراوني مدرس العلوم الشرعية بمحظرة ولاته، واب بن سيدي محمد الذي أقام مكتبه الخاصة لحفظ هذا التراث، وكذلك السفير السابق بالمملكة العربية السعودية الأستاذ باب بن محمد عبد الله الذي قام بتحقيق وطباعة ونشر كل ما وقع تحت يده من هذه المؤلفات، وكذلك الأستاذ حسني بن الفقيه الذي قام بتقديم كتاب "العروة الوثقى الموصل إلى منبع الحق والتقى " وإعداده للطباعة.

               التجديد و المداراة والعقوبة بالمال

أما د . بومية بن محمد سعيد بن ابياه (أستاذ باحث في العلوم الشرعية واللغوية ) فقد ألقى أولى محاضرات الندوة تحت عنوان "التجديد المنهجي في حقلي التربية والتأليف عند محمد يحيى الولاتي ، وقال في توطئته إن "ولاته عرفت ظهور عالم لم تعرف مثله قبله أو بعد ه هو الشيخ العلامة الفقيه محمد يحيى بن محمد المختار بن الطالب عبد الله الداودي الذي شرفها وخلد ذكرها بنسبته إليها".

تناول الدكتور في بحثه الذي جاء في 25 صفحة، طبيعة المقدمة في تأليف الشيخ الفقيه، والبناء المنهجي والتربوي في مؤلفاته ، وخلاصة عامة ، وختم بحثه بقوله :" لقد ألف الشيخ الفقيه، وأفتى وناظر، ودرس وجالس كبار العلماء في الأقطار التي مر بها، فحمدت سيرته ونال الإعجاب والحظوة من الجميع، وشرف بلاده وخلد مجدها رحمه الله وتقبل منه صالح الأعمال، فاستحق بجدارة لقبه العلمي الذي لا ينازعه فيه أحد، وهو الفقيه".

وتحدث د. محمد بن بوعليبه بن الغراب (من كلية الآداب ، جامعة نواكشوط ) عن "مفهوم المدارة عند الفقيه محمد يحيى الولاتي".. وقسم الدكتور عمله إلى ثلاثة أقسام : مقدمة في تاريخ البلاد ونشأة المصطلح ، رأي الفقيه في المفهوم وخلافه مع غيره الفقهاء ممن أفتوا في المسألة ،استعراض النص المحقق وهو :" رسالة النصح لعرفاء الزوايا عن الحيف في فض المداراة على أموال ضعفاء الرعايا".

وركز المحاضر على الخلفية التاريخية لطبيعة الحكم في الصحراء، وأدلة الفقيه في المسألة وخلافه مع الفقهاء المعاصرين له في هذا الموضوع.

أما د. محمد المختار ولد السعد فقد تناول موضوع :" الفقهاء الشناجطة ومسألة العقوبة بالمال من خلال فتاوي محمد يحيى الولاتي ، تحدث فيه عن الفقهاء وإشكالية العقوبة بالمال ،والفقهاء الشناجطة والعقوبة بالمال ، والولاتي وإشكالية العقوبة بالمال . وذكر أن المجمع الإفتائي للعلامة محمد يحيى الولاتي يشتمل على (141) فتوى ونازلة ،وقد اختار المحاضر منها اثنتان لتحليلها ، وخلص إلى القول بأن "الولاتي قد أحاط – إجمالا- بمختلف الأسس والاعتبارات التي بنى عليها فقهاء المغرب وبلاد شنجيطي مواقفهم المسوغة لمسالة العقوبة بالمال في مجتمعاتهم القبلية ذات البنية الانقسامية النابذة للدولة وسلطانها الزاجر، المتشبثة بعصبياتها الخاصة وممارساتها العرفية".

                                   المنهج المعتدل

وحول "مظاهر التجديد الفقهي عند الولاتي" تحدث الأستاذ احمد ولد أهل داوود (فقيه وباحث في العلوم الشرعية)،و بعد أن عرف الباحث الفقه لغة واصطلاحا استعرض العلم والعدل والاعتدال والقدرة عند كامل عصره وفريد دهره محمد يحيى الولاتي، وخلص إلى أن "منهج التجديد عند الولاتي كان منهجا وسطا معتدلا يجمع بين التنظير الأصولي والتفريع الفقهي، وهو بهذا يكون قد أسهم إلى حد كبير في إذكاء الحركة الفقهية في عصره وتطبيق الأصول على الفروع".

وتحدث المؤرخان: الأستاذ محمد لغظف ولد الداه والأستاذ محمد البشير بن سيدي بن حمادي عن "ولاته: ملتقى الثقافات بين الغرب الإسلامي وبلاد السودان في الفترة ما بين 1204 - 1912 للميلاد ، ونبها إلى أن 1204 هو تاريخ سقوط كومبي صالح ووراثة ولاته لمكانتها التجارية والاجتماعية والدينية برحيل مسلمى كومبي صالح إليها ، أما 1912 فهو تاريخ الاحتلال الفرنسي للمدينة. وبعد أن عرفا بالمدينة واستعرضا الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وصلا إلى المنظومة التعليمية لولاته وأثرها في مكانتها العلمية والثقافية خلصا إلى القول:" فما هي إلا بلدة طيبة انبتت بإذن ربها ثمرا طيبا علماء نجباء تميزوا بعطائهم العلمي وما كان الشيخ محمد يحيى الولاتي إلا شجرة طيبة من نبتها أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها".

                        الولاتي في تيشيت وفتاوى الفقيه 

أما علاقة محمد يحيى الولاتي بمدينة تيشيت فقد تناولها د. حماه الله بن ميابي (جامعة نواكشوط ) في عرض تحت عنوان :" محمد يحيى الولاتي في مدينة تيشيت: حضوره وتراثه"، وقال في مستهل عرضه إن محمد يحيى الولاتي "يعتبر من أبرز فقهاء منطقته في عصره بما اتسم به من حضور قوي ومؤثر في مناحي الحياة المختلفة" وقال "إن علاقة الولاتي بتيشيت قد تقوت أكثر بفعل القرب الجغرافي بين المدينتين والتبادل التجاري النشط بينهما ثم بفعل العلاقة الصوفية التجانية الخاصة بين الفقيه محمد يحيى وتيشيت الحاضرة التجانية حينها بامتياز بتلك الجهة" .وتحدث عن تلك العلاقة من خلال الرحلة الحجازية والفتاوى والمؤلفات وقدم جدولا بمؤلفات الفقيه الموجودة في تيشيت.

وحول " العرف والمصلحة في فتاوي محمد يحيى الولاتي- جدل التقليد والاجتهاد" تحدث الدكتور يحيى بن البرا (كلية الآداب جامعة نواكشوط ) وقال "إن الولاتي يعتبر من أواسي الفقه المتبحرين شيخا أقرن في المعارف الإسلامية، عالي الكعب في الفقه ، ومن أغزر علماء موريتانيا إنتاجا على العموم وأكثرهم فتاوى على الخصوص ". واستعرض خصائص إنتاجه الفقهي والمصالح والأعراف في فقهه ، وخلص إلى أن النماذج التي استعرض تدل على أن الفقيه الولاتي "وإن أظهر في بعض فتاويه أحيانا ميلا إلى الاجتهاد الإنشائي بالرجوع إلى الأصول والتماس الدليل (...)، إلا أنه في غالب فتاويه ينحو منحى التبصر والترجيح، فهو يفتي بنصوص المذهب بالمتفق عليه منها وبالراجح من المختلف فيه منها ".

تناول د. محمد أدير مشنان (كلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر) في محاضرته " ملمح منهج الفتوى عند الشيخ محمد يحيى الولاتي من خلال الرحلة الحجازية". وقال إن فتاوى الرحلة البالغة أربعة وعشرون تناولت التفسير والحديث والعقيدة وأصول الفقه والتصوف والبدع والمحدثات وأسئلة متفرقة. وأضاف أن القراءة الأولية لنصوص الفتاوي تبرز ما يتحلى به الولاتي من "أمانة علمية، وموضوعية، وصرامة في القضايا العلمية، وسعة الاطلاع والحفظ والاستحضار مما يدل على تحصيل علمي متين ".

                            الإصلاحية الفقهية

وتحت عنوان ملامح الرؤية الإصلاحية عند الولاتي من خلال عطائه العلمي" تحدث الدكتور المصطفى بن خطري (رئيس نادي التنمية الاجتماعية) عن حجم عطاء الولاتي وتنوعه، حيث بلغت مصنفاته (110) وهو حجم لا نعرف مثيلا له قاربه أو جاوزه إلا عند أربعة من فطاحلة علماء ثقافتنا العالمة رغم كثرتهم وهم : الشيخ محمد المامي الباركلي (1282 ه / 1865 م ) ومحمد امبارك بن حبيب التاشفيني اللمتوني (ت 1293ه / 1876 م ) والشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل القلقمي (1328ه/1910 م ) ومحمد يحيى بن سليمه الداوودي(1353 ه / 1936 م). ولاحظ أن أكبر ظاهرة في حياة الفقيه الولاتي هي الكتابة والتأليف . وبعد أن قدم نماذج من فقه الرجل ومواقفه خلص المحاضر إلى أن "الرؤية الإصلاحية عند العلامة محمد يحيى الولاتي نظرة معرفية مركبة قائمة على إدراك الواقع وتحدياته وعلى الرغبة في تغييره لكن عن طريق نشر العلوم الشرعية وتسهيلها وتأصيلها".

وحول موضوع مشابه تحدث الأستاذ بوبكر بن مروان (كاتب حفيد الفقيه محمد يحيى الولاتي) عن" الإصلاحية الفقهية الحديثة وإرهاصاتها الفقيه الولاتي نموذجا". وبعد أن استعرض ملامح منهج الولاتي في الإصلاح الفقهي خلص إلى أنه اهتم بإصلاح الفقه بالعودة إلى مصادره ، وركز على العودة إلى أصول الفقه وربط الفروع الفقهية بالكليات الأصولية، وطرح رؤية متوازنة في فقه الواقع ، وتميز بالاستقلالية في التفكير الفقهي ومحاولة إصلاح الفقه من خلال الأسلوب التربوي وذلك بالقطيعة في التأليف مع أسلوب التلغيز.

وتحدث د. البكاي بن عبد المالك(كلية الآداب جامعة نواكشوط ) عن " نقد علم الكلام الفلسفي عند محمد يحيى الولاتي من خلال رسالة"الأجوبة الشافية في علم الكلام"، وبعد أن عرف بعلم الكلام تعريفا وافيا خلص إلى أن "الفقيه محمد يحيى الولاتي كان على اطلاع كبير في جميع مناحي المعرفة البيانية سواء تعلق الأمر بالفقه أو بعلم الكلام . ويتضح من خلال الرسالة " الأجوبة الشافية في علم الكلام" الاتجاه الأشعري للمؤلف مع تحفظ واضح له على طريقة المتأخرين من الأشاعرة ونستبعد إمكانية تؤثره بأعمال ابن تيمية الذي انتقد بشدة الطابع الفلسفي لعلم الكلام الأشعري ومما يعزز ذلك الزعم هو الموقف الإيجابي للمؤلف من بعض القضايا الشائكة في التصوف ".

وجاء بحث الدكتور محمد سرار (من كلية الشريعة بفاس) حول موضوع:" الإمام الولاتي وجهوده في خدمة الحديث النبوي "، واعتمد المحاضر على عدد من كتب العلامة محمد يحيى الولاتي وأبرز اهتمام المغاربة بتراثه، حيث "حملوه، ودرسوه، وحفظوه في خزائنهم". وأوضح أن الولاتي قد "خدم علوم الحديث رواية ودراية خدمة نادرت في عصره"، وخلص إلى اقتراحه تسليط مزيد من الضوء على "ابداع الإمام الولاتي في الحديث والسيرة والشمائل المحمدية . وإن تراثه الذي وصلنا كاف لتنظيم ندوة كبيرة حول هذا العلم لدراسة إنتاجه في هذا الميدان ".

                  وجهة عصامية

أما الدكتور عبد الودود ولد عبد الله (ددود) – كلية الآداب جامعة نواكشوط – فقد قدم بحثا تحت عنوان "الفقيه والمجتمع في الحواضر الصحراوية : محمد يحيى الفقيه ومجتمع ولاته نموذجا". وتحدث عن الحواضر الصحراوية خاصة ولاته ليصل إلى "الولاتي سياق النشأة وملامح المشروع " مبرزا أن "يتمه المزدوج(يتمه الشخصي ويتم مدينته الناتج عن تراجع مكانتها) قد وجه الرجل وجهة عصامية في تحصيله ومساره العام". وأبرز أن "الرحلة الحجية لم تقلب مسلمات الولاتي ولم تغير رؤيته بصورة حاسمة ذلك أن الرجل قد بلغ مرحلة النضج سنا وعلما " ويتحدث المحاضر عن سياحة الولاتي في فضاءات العالم والعلم وحواره مع العلماء وعن "منزعه النقدي" من المسجد إلى المدينة والمدينة والعشيرة وكذلك إدراكه لمخاطر التغلغل الاستعماري.

وحول "جهود الفقيه محمد يحيى الولاتي في أصول الفقه" يتحدث محمد يحيى بن حريمو( فقيه أصولي مهتم بالتراث الإسلامي في غرب إفريقيا) الذي قال إن الفقيه الولاتي شهد له علماء عصره بالبراعة في الأصول والتفنن فيه ، وقد ألف في أصول الفقه ما يزيد على (10 ) مصنفات .واستعرض الباحث نماذج من آراء الولاتي وإبداعاته في أصول الفقه وتحدث عن دور علم الأصول في تقويم فكر الولاتي وقدم نماذج من استثمار الولاتي لعلم الأصول في تخريج النوازل والفتاوى الفقهية.

أما كتاب" الناسخ والمنسوخ في القرءان الكريم " للولاتي فقد تحدث عنه الأستاذ شيخنا بشيري ولد انديده (المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية) الذى بدأ بحثه بالحديث عن شخصية المؤلف العلمية الذي يصفه بأنه "شخصية قوية، متعددة المواهب، غزيرة العلم، واسعة الاطلاع، طويلة النفس في البحث والمناظرة" ، ويصل إلى الحديث عن الكتاب أسلوبا ومنهجا ويخلص إلى القول" هكذا تبرز قيمة هذا المؤلف في الدراسات القرءانية، فهو وإن كان صغيرا في مبناه إلا أنه كبيرا في معناه".

     الولاتي في تونس

وتحدث الدكتور محمد الامين ولد سيدي المختار (المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية) عن" المحطة التونسية في رحلة الولاتي آثار وشهادات " ممهدا لذلك بالحديث عن الرحلة الحجازية ليستعرض بشكل خاص مقام الولاتي في تونس ولقاءه بعلمائها والآثار التي خلفها ويورد شهادات علماء تونس للفقيه محمد يحيى الولاتي وما عثر عليه الباحث من كتب الولاتي في المكتبة الوطنية في تونس ويخلص إلى القول :" وهكذا تبدو الصورة الذهنية عن الفقيه محمد يحيى الولاتي في تونس مشرقة ، وهو الذي لم تتجاوز إقامته فيها ثمانين يوما حسب ما ذكره في الرحلة كما تتجلى بوضوح من خلال الشهادات والآثار (الواردة في العرض) مكانته العلمية المتميزة التي بهرت مستقبليه في كل محطة من محطات رحلته وهو ما أسهم في تعزيز الصورة المشرقة للشنقيطي في المغرب والمشرق في ذلك التاريخ".

                       الولاتي رجل التواصل

"محمد يحيى الولاتي: الإصلاحوالتوازن" موضوع عرض قدمه د. منور خميلة (باحث في الآداب والحضارة في تونس وحاصل على شهادة الدكتوراة من السوربون سنة 1983 بأطروحة حول العلاقات بين المشرق والمغرب من خلال كتابات الحجيج الموريتانيين وتحقيق الرحلة الحجازية لمحمد يحيى الولاتي) . أبرز الدكتور أن الفقيه محمد يحيى " اجتمعت في شخصه قدرات ومواهب متعددة جعلته رجلا جمعا وولدت من حياته حيوات ومن أعماله روافد مثرية للرصيد المعرفي في بلاد الإسلام " وتحدث المحاضر عن السمات المميزة لشخصية الولاتي وكذلك عن الولاتي كمصلح وعن الرحلة الحجازية وخلص إلى أن" العلامة محمد يحيى الولاتي رجل تواصل وإصلاح كانت اجتهاداته ومواقفه حافزا قويا لتنشيط الحركة الفقهية لما أحدثته من استفزاز فكري لدى علماء عصره".

وتحت عنوان " الفقيه الولاتي وتراثه اللغوي بين الاقتفاء والاستيفاء " ألقى الدكتور محمذن ولد احمد ولد المحبوبي (المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية ) محاضرة بدأها بالحديث عن جهود الفقيه في الدرس النحوي ثم جهوده في الدرس الصرفي وجهوده في الدرس البلاغي وخلص إلى أن محمد يحيى الولاتي "قد خلف لنا مدونات لغوية منظومات وغير منظومات فعقد في أراجيز سهلة عويصات النحو والصرف وجمع في تعليميات مستطرفة عويصات البلاغة والأسلوب فصارت مؤلفاته اللغوية معتمد المناهج والمقررات ومرتكز التأليف والمصنفات" وألحق المحاضر ببحثه منظومة التصريف ومنظومة الأجرومية .

أما الأستاذ محمد الحنفي ولد دهاه (كلية الآداب جامعة نواكشوط ) فقد تحدث عن " محمد يحيى الولاتي والتصوف" وقال :"إن العلامة الحجة الفقيه الإمام الحافظ المتقن المصنف النوازلي محمد يحيى بن محمد المختار علم كبير من أعلام هذه البلاد الشنقيطية (...) صوفي ممتلئ علما وفقها وتبصرا ورسوخا في علوم الكتاب العزيز والسنة النبوية مستحضرا لجميع أقاويل علماء السلف ومحققي الصوفية" وتحدث عن مفهوم التصوف عند الولاتي وموقفه من غلاة الصوفية وموقفه المترخص للصوفية وتجانيته وخلص إلى أن "محمد يحيى الولاتي صوفي تجاني أخذ الورد التجاني والتزمه ولقنه ".

  درس الحديث وأدب الرحلات

وحول "الدرس الحديثي عند الفقيه الولاتي" تحدث الأستاذ محمد بن محمد الحافظ بن الراظي (جامعة شنقيط العصرية) واستعرض ثلاثة أعمال من آثار الفقيه المحدث محمد يحيى الولاتي في خدمة الحديث النبوي رواية ودراية وهي: شرحه مختصر صحيح البخاري لابن أبي جمرة، وشرحه صحيح البخاري، ورسالته في مصطلح الحديث. وختم بالتأكيد على الحاجة إلى دراسة جادة لإظهار هذا الجانب -جانب فقه الحديث وعلومه - من جوانب الحياة العلمية لهذا العالم الفذ رحمه الله " .

وتحدث الدكتور محمد الامين ولد حمادي (كلية الآداب بجامعة نواكشوط ) "عن محمد يحيى الولاتي في مواجهة التغلغل الاستعماري الفرنسي ".واستعرض موقف العلماء الموريتانيين من دخول الاستعمار وانقسامهم ما بين مؤيد ومعارض . ومن خلاله استقرائه للوثائق الفرنسية أبرز عداوة الفقيه للمستعمر وحرصه على المقاومة والقطيعة مع النصارى وخلص إلى أنه "كان من مشيئة الله وقدره أن ينتقل الفقيه إلى جوار ربه في العام نفسه الذي احتل فيه المستعمر مدينة ولاته (1912 م) لكن شيخنا ظل طودا شامخا لا تهزه الأعاصير ولا تتغير مواقفه من الاستعمار".

وحول "أدب الرحلات : رحلة محمد يحيى الولاتي نموذجا " تحدث الأستاذ يحيى بن سيدي احمد (باحث في التاريخ والآداب) ، وبين أن أدب الرحلات صنف أدبي عتيق وعريق في ولاته، وقارن بين رحلة الولاتي (1311 ه – 1317 ه) ورحلتا ابن اطوير الجنة الوداني (1245 ه – 1250 ه ) وابن ابوه اليعقوبي (1347 ه – 1348 ه) وختم بقوله "كيف تكون رحلة الولاتي أول نص ينشره معهد الدراسات الإفريقية في الرباط ولاندرجها في موريتانيا بلد الرجل في مناهجنا : نصوصا للناشئة وبحوثا للاكادميين؟"

ويحوي هذا الكتاب إضافة إلى البحوث مداخلة للشيخ محمد الحسن ولد الددو وأخرى للدكتور محمد يحيى ولد باباه وتعقيبات من عدد من الأساتذة هم :الأستاذ محمد عبد الرحمان ولد محمد الشيخ ،والدكتور محمد مشنان من الجزائر، والأستاذ شغالي ولد المصطفى، والدكتور محمد ولد محمدن ولد مين، والدكتور إدي ولد آدبه، والدكتور البكاي ولد عبد المالك، والدكتور عبد الودود ولد عبد الله ، والأستاذ عبد الله بابكر .

جاء هذا الكتاب بداية موفقة لنشاطات مركز البحوث والدراسات الولاتية حيث عرف من خلال البحوث والمداخلات والتعقيبات بهذا العالم الجليل والطود الشامخ والعلم البارز الفقيه محمد يحيى الولاتي فساهم بذلك هذا المركز في نشر العلم واحياء التراث الوطني.